د.محمد العبدة
لماذا نشعر في حياتنا السياسية وكأننا دائما على حافة الهاوية ، نخشى المستقبل ونقبل بالواقع خوفا من القادم وحتى أصبحنا في بعض الحالات – وهو أمر في غاية الغرابة – أصبحنا نخشى على بعض النظم الاستبدادية لأن ما بعدها شر منها.
إنه من المفارقات ومن غير المعقول أن يشترك العامي عندنا والمتعلم في هذه المقولة :” الذي تعرفه من الحكام الظلمة أفضل من الذي لا تعرفه ، لأن الأول قد شبع من النهب العام ، والثاني سيبدأ من جديد .” في نهاية الدولة العثمانية ورغم ضعفها وتسلط الإتحاديين عليها ، فإن العلماء والساسة المستقلون في البلاد العربية كانوا مع الدولة خوفا من القادم الأسوء وهو الاستعمار البريطاني والفرنسي ، ولكن ماذا حل بالشعوب العربية بعد رحيل هذا الإستعمار ؟ يعلق الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله وبنبرة حزن وأسى يقول :” إن البذور التي بذرها المستعمر قبل رحيله أنبتت نباتا لم نذق مثل مرارته أيام الاستعمار ، فكيف أخرجت أرضنا السم الذي يودي بنا ؟ كيف رأينا ممن خرج من أصلابنا من هو أنكى علينا من عدونا ، لماذا لا يأتي عهد إلا بكينا منه وبكينا بعده عليه ؟ استكبرنا تقسيم فلسطين ثم رأينا ما هو أكبر فطلبنا التقسيم وأبينا ما قبل 1967 ثم عدنا نطالب بإزالة اثار العدوان….” [1] لم يذكر لنا الشيخ الطنطاوي سبب هذه الحالة المؤسفة ، والتي وصفها أيضا الشاعر العربي قديما :
فليت جور بني مروان عاد لنا وليت عدل بني العباس في النار
هل السبب أننا لم نمارس الفعل السياسي وعلى وجه الصحيح ، وهل لأننا لم نرتب البيت من الداخل ، ولم نتعود على التعاون المنظم وعلى قيام المؤسسات التي تنتج حكومات لا نتوقع منها الظلم والأذى . هل لأننا لا نملك الخيارات المناسبة التي فرطنا أو فرطنا في استحداثها ، ولذلك نرضى بالوجود يعلق المؤرخ عبد العزيز العظمة في مذكراته على نجاح الاتحاديين في تركيا من الدعاية لآرائهم ، بأن المجتمع السوري ليس فيه مرجعية سياسية يرجع الناس إليها ، أي لا يوجد ثقافة سياسية بالمعنى العلمي ، لا يوجد شخصان يعملان في الجهاز السياسي يفكران تفكيرا متماثلا .
نحن لسنا متخلفين في التصنيع وغيره من التقدم المادي وحسب ، فربما يكون هذا أسهل الأمور ، فتعلم التقنية الحديثة ليس بالأمر العسير ولكننا متخلفون في الفكر السياسي عندما تختلط علينا الأمور ولا ندري عن الصالح والأصلح والسيء والأسوأ ، وعندما نفضل الاستبداد الذي يرعى مصالحنا الخاصة وأنانيتنا المفرطة ، وعندما لم يعد باستطاعتنا التفريق بين الثوابت والمتغيرات فننساق إلى الجمود الذي يفقدنا الحيوية المطلوبة لمعالجة مشاكلنا.
[1] ذكريات (1/167)