د.محمد العبدة
هل تنفصل السياسة عن الأخلاق ، أم أن السياسة في الأصل هي رسالة أخلاقية ، وهل السياسة وهي مستغرقة في مشاكل الساعة لا تستطيع أن تسمو إلى المبادئ السامية كما يصرح بعض الذين كتبوا حول هذا الموضوع؟ وهل على السياسي أن يخدم شهوات الناس ويسعى للتوفيق بين مصالحهم ولو على حساب المبادئ والأخلاق ولذلك يعمى بصره عن رؤية الحق ؟.
ربما يظن لأول وهلة أن الإجابة عن هذه التساؤلات هي : نعم ، لأن السياسة بعيدة عن الالتزام بالمبادئ والقيم الصحيحة.
ومما يساعد على هذا الظن هو الفهم الخاطئ لتعريف السياسة ، وللممارسات التي يرها الناس في عالم الواقع ، ولكن الحقيقة هي أن السياسة في معناها الاشتقاقي هي قيادة الإنسانية إلى الخير والصلاح، عندما تنفصل السياسة عن الأخلاق ما الذي يحدث؟ قد تحرز السياسة السلطة مهما تكن الوسيلة إلى ذلك ، ولكن هل هذا مما يخدم الإنسان؟ ويجلب له السعادة، وهل من الضروري أن تكون الإنجازات السياسية شريرة؟ إن نظرية (ميكافيلي) قصيرة النظر ، لأن قوة الشر تدمر نفسها ، بينما نرى النظام العادل يسعى إلى إدراك النجاح ولو في مقبل الأيام ، مثلما يتطور النسغ السليم إلى ثمرة تامة ، أما الميكافيلية فهي كالسم في النسغ حيث يصب في الشجرة المرض والموت.
يقول الشيخ دراز : “فمن المشاهد أن حكما علمانيا يمكن أن يستمر ويزدهر بالاتحاد والعدالة أكثر من أدعياء الإيمان إذا ما ركنوا إلى الأخلاق المنحلة وإلى الفوضى والعصيان”[1] (1) أما مؤرخوا الحضارات الذين يتحدثون عن سقوط الأمم فإنهم يعزون السبب الأكبر لهذا السقوط إلى انحطاط الأخلاق وإن ما يبثه السياسيون والاقتصاديون في العصر الحديث من الأكاذيب والدعاية المنظمة هو الذي ملأ صدور الناس بالكراهية والغرور ، يقول الفيلسوف البريطاني (الدوس هكسلي) : ” إن العقل الناقد قوة محررة إلى حد ما ولكن فائدته تتوقف على الإرادة وحين لا تكون الإرادة نزيهة فإن العقل يصبح وسيلة لتحكيم الأهواء وتبرير المصالح الخاصة”[2] إن الدين هو الذي يمسك بزمام العقل ويربطه بالإرادة الطيبة والدين هو الذي يحرم السياسة الظالمة، وهو الذي يمنع أسباب الفساد في السياسات التي تعاني منها البشرية اليوم.
عندما يحيا الناس مع المبدأ يمكنهم مواجهة التحديات غير المتوقعة أو التغييرات ويمكنهم اكتشاف المصلحين من المفسدين ويمكنهم التعاون وهو لب الاجتماع الإنساني.