في آفاق التغيير – الأمن الثقافي

د. محمد العبدة

هل نحن بحاجة لأن نصد الأبواب ونعلي الأسوار أمام موجات الفكر الغربي الذي أفرز في العقود الأخيرة مذاهب العدمية والعبثية واللاعقل واللاوعي ،نتكلم عن هذه المذاهب التي تمثل حالة اليأس والاغتراب ،ولكن من الإنصاف القول أن الفكر الغربي أنتج أفكارا ايجابية في بعض الميادين التي نفعت البشرية ، وشيء آخر وهو أن هذا الفكر يمثل انشغالاً مع الواقع الغربي ، ويتحدث عن مشاكل تضرب المجتمعات الغربية ،ولكن المشكلة عندنا في ايمان بعض مثقفي العرب بأن كل ماهو عند الغرب يمثل إشراقاً وحضارة ، بينما نجد أن الغرب يعترف بأنه يواجه تحديات كبيرة ، إنه الفكر الذي يمثل حالة الغروب لحضارتهم المعاصرة. ، لماذا تذهب الأعمار عند بعض المتعلمين وأصحاب الشهادات عندنا في قراءة ( البنيوية ) و( التفكيكية ) وقراءة الوجودية وما بعد الحداثة ، وتترجم أعمال ( نيتشة ) و ( كيرلجارد ) و( هايدجر ) وكأن هذه الأعمال ستساهم في مشروع النهضة عندنا  ، والملفت للنظر أنه عندما ينتهي هؤلاء من قراءة هذه النظريات يكون الغرب قد أنتج مذاهب وفلسفات أخرى ،فهل يستمر هؤلاء في الجري وهل يلحقون به ؟

لماذا نكرر أخطاءنا ، فقد نشأ عندنا في التراث الإسلامي ما سمي ب ( علم الكلام ) وهو جدل عقيم في مسائل نظرية ليس لها صلة بالواقع ، خاصة بعد أن ترجمت كتب اليونان والمتعلقة بالإلاهيات ، مسائل لم تقم دينا ولادنيا ، وكان الأولى الإهتمام بالجانب العلمي العملي التجريبي ، وذهبت الأعمار بل وذهب الذكاء في ردود وخصومات لاتقدم ولا تؤخر،

هل نفعل هذا أم نفتح الأبواب مشرعة لكل دخيل من الأفكار ولاننتهي من قراءة نظرية حتى يأتي غيرها ،وكان آخرها ما يسمى بنظرية أوفلسفة ما بعد الحداثة التي تقوم على اعتقاد أن كل الأمور نسبية ولا يوجد شيء مطلق ، فما هو الخير وماهو الشر ، وما هو العدل وما هو الظلم ، وما هو الجميل وما هو القبيح ، كل ذلك أمور نسبية وليس هناك حقيقة مطلقة ، لأنك إذا اعتقدت أن الحق كله معك فهذا يعني أن مخالفك على باطل وهذا احتكار للحقيقة ، ولذلك يقول أهل هذه الحداثة : يجب أن يمنع الفكر الذي يدعي أنه يمتلك الحقيقة وحده . هذه النظرية تريد أن تؤكد للناس أنه لا توجد حقائق مطلقة ، هذه النظرية التي تتماهى مع السفسطة إذا أريد تطبيقها على الواقع فلن تأتي إلا بكل شر .

هل نسمح لهذه النسبية أن تزعزع الثوابت من القيم والأخلاق في مجتمعاتنا  وحتى لانتهم بالجمود والتقوقع على الذات أم نصد الأبواب أمام هذه الهرطقة ؟ وكذلك أمام موجات الانحلال الأخلاقي وقيم الاستهلاك والرأسمالية المتوحشة ، ولماذا لا نسأل عن هذا التركيز الذي تمارسه وسائل الاعلام ( عربية وأجنبية ) على تفكيك الأسرة وهدمها ليبقى الفرد وحيدا شريدا لا يستطيع الصمود وحده أمام هذا الضخ الإعلامي الذي يغرق الناس بالتوافه من الأمور ، او يطلب من هذا الفرد أن يفعل ما يحلو له لأنه غير مرتبط بقيم الأسرة وقيم المجتمع ، ولماذا هذا التركيز على ( الأنثى ) و ( gender ) رجوعا الى فرويد وأمثاله . إنها ( تسونامي ) من ثقافة معينة تريد اقتلاع الجذور ليغترب المسلم عن حضارته وثقافته .

إن مايسمونه حرية الإبداع التي لا يحدها أي منظومة أخلاقية أوفكرية قد تحولت إلى صنم تؤزه علمانية شاملة شرسة ( 1) فأصبح كل خروج عن الدين أو العقل أو الأعراف يقال عنه ( حرية الإبداع ) وتحول الإعلام الذي يروج لهذا النوع من الفن إلى ديكتاتورية وكأنه هو الذي يحدد ماهو الحق وما هو الباطل . ربما يقال هنا : إنك لاتستطيع أن تمنع شيئا لأن التقنية الحديثة دخلت كل منزل ، فالعالم أصبح قرية واحدة من ناحية الاتصال والمواصلات ، هذا صحيح ولكن العالم لم يصبح قرية واحدة من ناحية الثقافة والحضارة ، فكل أمة لها ثقافتها ولا تود أن تضيع في غمار حضارة أخرى ، والمسلمون هم أكثر الناس تميزا بحضارتهم وهويتهم .

هذا ليس انغلاقا أو جمودا فالمسلم بطبيعته منفتح على كل ما فيه خير وحق وهو يثق بما يملك ولا يخشى من التواصل مع الآخرين ، ولكن الأمن الثقافي لابد منه ، وقد حقق المسلمون هذا الأمن عندما أوجدوا علم الجرح والتعديل وذلك حماية لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب والتزوير ، وهكذا وصلت إلينا السنة نقية صافية ، وكذلك صنعوا حين أقاموا القواعد التي تضبط تفسير القرآن الكريم حتى لايتسلق على هذا الكتاب كل دجال عليم اللسان ، وصانوا القرآن الكريم من التأويل الباطل وبقي هذا المنهج على مدار القرون يجتهد العلماء في كل عصر بما ينفع المسلمين حسب ظروفهم وعصرهم ضمن هذه الضوابط المرعية ، ما فعله علماؤنا لم يكن نوعا من الرفاهية الفكرية بل كان جهدا واعياً من اجل حفظ هوية الأمة وتراثها .

هل نتخلى عن الهوية وعن الذاكرة التاريخية في سبيل إرضاء ( الآخر) وهل يعني عدم الإكراه في الدين أن من حق كل إنسان أن ينشر ويدعو إلى عقائده المضادة للمجتمع الذي يعيش فيه هذا ما يريده لنا مثقفونا المتشربون بثقافة الغرب ، ولا يجدون ضيرا باتهامنا بالتخلف والتراثيين ،بينما لا يرون ما يفعله الغرب وبقية الأمم للحفاظ على تاريخهم وتراثهم ، فالغرب نفسه يقيد الحرية إذا تعلقت بأمن المجتمع ، والفرد في الغرب ليس له الحق أن يفعل مايشاء ، بل هو محكوم بما يقرره المجتمع الذي يعيش فيه ، فإذا قرر المجتمع من خلال برلمانه أن القضية الفلانية تمثل تحريضا على الكراهية مثلا ، فالفرد مقيد بهذا القانون ، فالحرية لم تعد مطلقة كما يقولون ، ولذلك أليس من حقنا أن يكون لنا قضايا مطلقة لايمكن تجاوزها ، هناك فرق بين المعتقدات والمعتقدين ( 2 ) فالإسلام لا يقر المعتقدات المحرفة أو الباطلة ولكنه يتعايش مع المعتقدين ضمن وطن واحد وأنظمة تشمل الجميع ،

إن من حقنا كمسلمين أن نقدم رؤيتنا الخاصة للإنسان وغاياته ووظيفته في هذه الحياة  ، إن من حقنا أن نقدم رؤيتنا الإعلامية التي تظهر الحقائق ولا تدغدغ العواطف والغرائز ،ورؤيتنا التربوية في تعليم الأجيال العلم النافع الذي يسعى لسعادة الإنسان ، وليس العلم الذي يدمر الإنسان ويكون سلاحاً بيد الدول والسياسيين يستخدمونه لأهوائهم . ومن حقنا المحافظة على الأسرة والمرأة من التفكك وما تدبره وسائل الإعلام لإفساد هذه الخلية الأساسية في بناء المجتمع .

إن فرنسا تمنع بعض الأفلام الأمريكية حفظاً لثقافتها الخاصة ، وروسيا اليوم تعيد للكنيسة الشرقية دورها وترمي بثقافة الشيوعية إلى مزبلة التاريخ ، وتريد استرجاع مجد القياصرة ،فما بالنا نحن نفتح الأبواب لكل دخيل وهزيل من ثقافات الأمم الأخرى ونخجل من هويتنا وتراثنا ونضعف أمام موجات النقد مخافة أن نتهم بالجمود والتخلف ، والله سبحانه وتعالى يقول للمسلمين مخاطبا نبيه : ” ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • كما يعبر عبد الوهاب المسيري ، انظر : حوارات في الثقافة والمنهج
  • انظر : جعفر شيخ إدريس : صراع الحضارات
الإعلان

قراءة في كتاب ( القيادة المرتكزة على المبادىء )

د . محمد العبده

تمهيد

عندما أراد ابن خلدون المؤرخ وعالم الاجتماع الإسلامي أن يرجع إلى العصور الاسلامية الأولى ، ليبحث عن العلة التي بدأ منها التراجع ، أو عن بداية الخلل ، وجدها في تغير الصلة بين القيادة والأمة . لقد تبدلت الطاعة ، ففي عهد الراشدين كانت الطاعة قائمة على الدين الخالص ، فالمسلم يطيع الخليفة تديناً لا طمعاً في مغنم من مال أو منصب أو جاه ، ولا خوفاً من أذىً أو ذهاب دنيا ، كانت الطاعة قائمه على الثقه المتبادله ، على المشاركه في الأهداف والغايات ، فالمسلم له كرامته ويتحمل المسؤولية ويعتبر نفسه جزءاً من رسالة يؤديها الحاكم والمحكوم ، رسالة ترتقي بالإنسان لتحقيق الخير والعدل والسعادة في الدنيا والآخرة .

عندما يكون الخوف هو الوازع للناس ليقدموا الطاعة فقد يعطي هذا نوعا من الاستقرار ، ولكنه استقرار خادع وتوافق ظاهري والتزام سطحي ، وفي أول فرصة عندما تغيب المراقبة وينتهي التهديد سيتحول هذا الاستقرار إلى التدمير وإلى التنازع ، إن نموذج السيطره القائمه على الإرغام والعصا الغليظه , سوف يؤدي الى الشك والكذب والانحلال على المدى البعيد لأنك عندما تجرد الإنسان من كل شيء فستفقد السيطرة عليه .       عندما يكون الوازع هو الحصول على المغنم ، هنا تتحول القضية إلى صفقات متبادلة بين القائد والأتباع ، القائد يريد الدعم والاهتمام والمال وفي المقابل يرضي الأتباع بما يريدونه من مزايا دنيوية مثل الترقية والحصول على المعلومات ، هذه العلاقات المنفعيه سوف تؤدي إلى تغلب روح الفرديه وإبعاد روح الفريق كعمل منتج .

وأما القياده التي ترتكز على المبادىء ، فالناس يتبعونهم لأنهم موضع ثقة واحترام وتقدير وهناك هدف أكبر للجميع . ولكنها ليست طاعة عمياء ، بل هو التزام قائم على المعرفه .

أهمية القيادة وضرورتها

 

القيادة هي العمل المركز الموجه لتحقيق أهداف سامية ، عنايتها الأولى ليست بإدارة الأشياء بل بتطوير الأشخاص وإطلاق كافة مواهبهم وإشراك مزيج غني من الناس مختلفي الطاقات في التطلع للمستقبل ،ويشير الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم  يطلب من الأمه الاهتمام بموضوع القيادة ، قال صلى الله عليه وسلم ( إنما الناس كالإبل المائه لا تكاد تجد فيها راحلة ” يعلق العلامة عبد الرحمن بن سعدي على هذا الحديث : ” مضمون هذا الخبر إرشاد منه صلى الله عليه وسلم إلى أنه ينبغي لمجموع الأمة أن يسعوا في تأهيل الرجال الذين يصلحون للقيام بالمهمات والأمور الكلية العامة النفع ”  . وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم نموذجاً لأمته في هذا الجانب ، فهو الخبير في اكتشاف طاقات الصحابه ، يستشيرهم  ويشاركهم في القرار ( بدر وأحد والخندق …)

ويشاركهم في بناء المسجد ، لقد بنى فريقاً مثالياً بخطوات وئيدة ، ينضجها القرآن الكريم ويوجهها من خلال الجد والاجتهاد ، والصبر والابتلاء ، فالقيادة الحقيقيه تبدأ من أعماق النفس ومن خلال انضباط النفس ، كان صلى الله عليه وسلم عالماً بنفوس صحابته ، واقفاً على أسرار أخلاقهم ، فعامل كل واحد منهم المعاملة اللائقة حتى أشربت القلوب محبته ، فلم ينفض أحد من حوله .

اهتم الغربيون في العصر الحديث اهتماماً بالغاً في موضوع القيادة والإدارة ، عشرات ومئات الكتب المؤلفة في هذا الجانب ومن الأسماء التي اشتهرت في عالم التأليف في هذه الموضوعات صاحب كتاب ( العادات السبع للناس الأكثر فعالية ) والكتاب الذي نحن

                                                                                      (  1 )

بصدده ( القياده المرتكزة على المبادىء )   .

ومن البداية يؤكد المؤلف على أن المبادىء الصحيحة مثل البوصلات حيث تشير دائماً إلى الوجهة الصحيحة ( الشمال ) فإذا كنا نعرف كيف نقرأ البوصلة ، فلن نضل الطريق ، ولن تخدعنا الأصوات أو القيم المتعارضه وهذه المبادىء موجودة في كل زمان ومكان ، حيث تظهر في صورة قيم وأفكار ومعايير وتعاليم تسمو بالناس وتقويهم وتلهمهم ، وأي انتهاك لهذه المبادىء الصحيحه فسوف تكون النتيجة انحدار المجتمعات والكوارث الاقتصادية والثورات السياسية والحروب الأهلية .

وهي مبادىء لا تتغير ولا تتحول ، يسميها المؤلف : مبادىء طبيعية مجمع عليها بين

( 2 )

الخلائق  هذه المبادىء هي المركز الذي يؤمننا ، هي القوة الداخلية في حياتنا ، إنها تكوّن لدينا شعوراً بالقدرة على التنظيم والسيطرة على كل شيء في حياتنا ، بما في ذلك الوقت والمواهب والمال والممتلكات والعلاقات ، وتعطينا شعوراً بقيمتنا وهويتنا ، وبالشجاعة اللازمة لإنجاز الأشياء . ولعل ما كتبه المؤلف في أحد الفصول عن الأخطاء السبعة القاتلة , ما يزيد في وضوح المبادىء التي يرى أنه لا بد منها للقيادة وللبشر بشكل عام .

إن هذه الأخطاء خرق للمبادىء الطبيعية ومن هذه الأخطاء القاتلة :

1 ــ الثروة دون عمل : أي التلاعب بالأسواق وتكوين الثروات دون تعب .

2 ــ المعرفة دون نزاهة شخصية ، فالتطور العقلي دون تطور داخلي مساوٍ في نزاهة الشخصية أشبه بإعطاء مراهق سيارة رياضية عالية السرعة .

3 ـ العلم دون إنسانية ، ونخشى أن نصبح ضحايا التكنولوجيا إذا لم يكن لدينا فهم جيد للأهداف الإنسانية العليا التي تعمل التكنولوجيا لتحقيقها .

4 ـ السياسة دون مبدأ ، وإذا لم يوجد مبدأ فلن توجد وجهة صحيحة ، وستكون النتيجة مؤسسة أو مجتمعاً مريضاً ذا قيم مشوهة .

وإذا كان الحديث هو عن القادة الذين يتصرفون من خلال المبادىء فلا بد أن يتميزوا بخصائص معينه يتحدث المؤلف عن هذه الخصائص في النقاط التالية :

1 ـ إنهم يتعلمون باستمرار ، حيث يقرأون ويبحثون عن التدريب والدورات التعليمية ،ويستمعون للآخرين ويطرحون الأسئلة باستمرار .

2 : يعتبرون حياتهم رسالة وليست مهنة ، يستيقظون كل صباح وهم يضعون تقديم الخدمة للآخرين في أذهانهم .

3 ـ إنهم ايجابيون تغلب عليهم التوجهات المتفائلة ، ولذلك فهم يملكون القدرة على جذب مجالات الطاقة الإيجابية الأقل قوة من مجالاتهم ، ويزيدون من قوتها .

4 ـ إنهم لا يحملون الضغائن ، وبطبيعتهم لديهم رغبة في العطف والصفح عن الآخرين ونسيان إساءاتهم ، إنهم يعلمون أن لدى الناس قدرات غير ظاهرة يجب اكتشافها ، بل يرون في البذرة الصغيرة شجرة ضخمة ، ويعرفون العملية اللازمة لتحويل هذه البذرة إلى تلك الشجرة الضخمة .

5 ــ يحيون حياة متوازنة ، يتميزون بالنشاط الذهني ، يقرأون أفضل الكتب والمجلات ، على اطلاع على الأحداث الجارية ، يشعرون بقيمتهم ولكنهم لا يتباهون بأنفسهم أو بمعرفتهم أو بما لديهم من شهادات أو إنجازات سابقة ، ولا يتلاعبون بغيرهم يفضلون التصريح الضمني على المبالغة في التعبير ، ليسوا متطرفين لا ينظرون بمنظار : إما كل شيء أو لا شيء . بل يفكرون بطريقة الأولويات، لا يغرقون في التفكير في الأمس ولا يقضون الوقت في الحلم بالمستقبل بل يعيشون بمنطقية في الحاضر ويخططون بحرص للمستقبل .

6 ـ إنهم بسبب شعورهم بالأمان الذي ينبع من داخلهم فإنهم يقاومون التبعية لأي شخص ،

وينظرون للوجوه القديمة نظرة متجددة ، إنهم أشبه بمستكشفين شجعان في رحلة استكشافية لأرض غير مأهولة . وشعورهم بالأمن يكمن في روح المبادرة وفي سعة مصادرهم ومواردهم وقوة إرادتهم .

7 ـ إنهم متعاونون ، والتعاون هو الحالة التي يصبح فيها الكل أكبر من الجزء ، وعندما يعملون في فريق عمل فإنهم يوظفون نقاط قوتهم ونقاط قوة الآخرين ، إنهم لا يشعرون بالتهديد عندما يرون غيرهم أفضل منهم في بعض الأمور ، ويركزون على اهتمامات الآخرين أكثر من الدفاع عن مواقفهم ، وبذلك يكتشف من يتعامل معهم شعوراً بالأمان ويدخل الجميع في عملية ابداعية لحل المشاكل .                                                وتحت عنوان تغيير النموذج الإداري يذكر المؤلف أربعة أنواع من القيادات والإداريين ومع أنه يتحفظ على هذا التقسيم لأن طبيعة البشر ليس بهذا التقسيم الحاد ، إلا أن فائدة ذكرهذه الأنواع واضحة لنتعرف على عقلية بعض القادة الإداريين .                                                1 ــ النموذج الذي ينظر للبشر على أساس أنهم ( كائنات اقتصادية ) فالمدير هنا يستعمل نظرية العصا والجزرة ، والقائد هنا يقول عن نفسه : أنا المسيطر وأنا من يعرف ما هو الأفضل ، والناس مذعنون ليحصلوا على المكافئات الاقتصادية وكسب العيش لأنفسهم ولعائلاتهم . ويسمي المؤلف هذا النموذج نمذج ( البطن ) .                                  2ــ نموذج العلاقات البشرية  :                                                                    القائد هنا يعلم أن البشر لا تحركهم بطونهم فحسب بل وقلوبهم أيضاً ( مخلوقات اجتماعية ) هنا يتحول المدير أو القائد إلى اسلوب سلطوي ولكنه لطيف ومحب وحنون ، هو يقول القوة ما تزال بأيدينا ولكننا أناس طيبون وعادلون ، ونحن إما أن نكون ضعفاء أو أقوياء وإذا لم نتول السيطرة فسوف يسيطر غيرنا ، ويسمى هذا نموذج ( القلب ) .

3 ــ نموذج الموارد البشرية : هنا لا يقتصر التركيز على  العدل والعطف ، ولكن البشر مخلوقات مفكرة أيضاً ، ويجب أن نخرج ما لديهم من مواهب وإبداع ونبدأ في تفويض المزيد من المهام إليهم ، فالمورد الرئيسي ليس الأصول الرأسمالية أو الخصائص البدنية بل الناس بعقولها وقلوبها ، الناس بحاجة الى النمو والتطور ( مخلوقات نفسية ) ويجب أن يسهم الناس بما لديهم من مواهب لتحقيق أهداف المؤسسة ويسمى هذا نموذج ( العقل )

4 ـ القيادة القائمة على المبادىء :

وهي التي تتعامل مع الإنسان بكامل كيانه ، فهو ليس اقتصادياً أو اجتماعياً أو نفسياً فحسب ، بل هو كائن يريد مغزى من الحياة . الناس هنا يفعلون أشياء ذات قيمة وأهدافاً تؤدي إلى الشعور بالرفعة والنبل يريدون أن يكونوا جزءاً من الرسالة والمشروع الذي يتجاوز مهامهم الفردية ، القيادة هنا تظل قوية لأنها لا تعتمد على حدوث أو عدم حدوث شيء مرغوب للتابع ، والأتباع مستعدون للمخاطرة لفعل الأشياء الصحيحة لأنهم يشعرون بقيمتهم . ويسمى هذا النموذج ( نموذج الروح ) .

إن نموذج ( المعدة ) يقول : ادفع لي راتباً جيداً .

ونموذج  ( القلب ) يقول : عاملني جيداً .

ونموذج ( العقل ) يقول : وظفني جيداً .

ونموذج ( الروح ) أو الشخص ككل يقول : دعنا نناقش الرؤية والرسالة والأدوار والأهداف ، إنني أريد أن أقدم أسهاماً ذا مغزى .

من الواضح ومن خلال مضمون الكتاب وما كتبه المؤلف سابقاً أنه يركز على الجوانب الإنسانية والأخلاقية والمبادىء المتفق عليها بين عقلاء البشر والقيم التي جاءت بها الرسالات السماوية ، والتي أكدت أيضاً على مبادىء عليا مثل حق الحياة وحق الحرية .

والمؤلف عندما يركز على هذه الجوانب لأنه يرى ما يحدث في الواقع عندما تخالف القيادات السياسية أو الشركات الكبرى هذه المبادىء ما يحل بها من تدهور وفشل .

الشركات التي تبتعد عن النزاهة ورجال الأعمال الذين يبتعدون عن التعامل الأخلاقي والسياسيون الذين يتصرفون دون مبادىء عليا كل هذا كان عاقبة أمره خسراً وقد أغرقت البشرية بالنزاعات والتدمير والظلم .

وهذا الذي يركز عليه المؤلف هو من صميم الثقافة الإسلامية ، يقول العلامة ابن خلدون مؤكدا على هذه المعاني ” فإذا نظرنا إلى أهل العصبية ( أهل الحكم ) فوجدناهم يتنافسون في الخير وخلاله من الوفاء بالعهد وتعظيم الشريعة والانقياد للحق ، والتجافي عن الغدر والمكر والخديعة ونقض العهد علمنا أن خلق السياسة قد حصلت لهم . وبالعكس من ذلك إذا تأذن الله بانقراض الملك ارتكب أهلها المذمومات وانتحلوا الرذائل فتفقد الفضائل السياسية منهم جملة ”

إنها سنن الله سبحانه في صلاح البشرية وسعادتها أو انتكاستها وتحطمها ، إنها سنن التقدم والتأخر للأفراد والمجتمعات .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 1 ـ ستيفن كوفي : القيادة المرتكزة على المبادىء ، مكتبة جرير   ط2 / 2013

 

2  ــ لا شك أن أصول هذه المبادىء التي يتحدث عنها المؤلف هي من الرسالات السماوية وتعاليم الأنبياء ، وهو يقول : من الأديان تعلمنا : يجني الإنسان ما يزرعه والأفعال أهم من الأقوال ، ويتحدث أحياناً عن مبادىء هي من السنن الكونية مثل المبدأ الذي يكرر ذكره وهو ( قانون المزرعة ) أي لا بد من الأخذ بالأسباب ، نزرع ثم نعتني بالزرع ثم ننتظر حتى يأتي موسم الحصاد . 

               

لمحات في الشجاعة

د. محمد العبدة

في زمن اختلطت فيه المفاهيم وكثر فيه اللغط في أمور كثيرة تتعلق بمصلحة الأمة، وكثر أدعياء العلم والمعرفة وأصبحوا خبراء في كل شأن، في هذا الزمن نحن بحاجة إلى شجاعة الرأي وشجاعة الكلمة، ليظهر الحق من بين هذا الركام، وإذا كانت الشجاعة مطلوبة في ساحات الجهاد، فهي أيضا مرغوبة في ساحات الفكر والعلم.

إن الحديث عن هذا الخلق هو الحديث عن أمهات الفضائل فبه يظهر الحق ويقمع الباطل، وبه يشفى من أمراض الفساد ،والشجاعة محبوبة متفق عليها بين سائر البشر، فالكل معجب بالبطولة، والكل يتغنى بها ويفتخر بأسماء مشهورة من بني قومه، وقد خصص الشعراء أجمل قصائدهم لذكر الشجاعة التي يقدرها الناس أكثر من غيرها ولأنها أكثر ندرة من غيرها، نجد هذا في الشعر الشعبي خاصة من اليابان إلى أمريكا اللاتينية.

الناس بحاجة إلى أبطال يقولون الحقيقة عارية واضحة يصدعون بها لا يخافون في الله لومة لائم، وهذا يساعد على نزع الأغلال والبعد عن التقليد الذي يزري بصاحبه وعن الأوهام التي تكبل التفكير السديد. الناس بحاجة إلى هؤلاء لكثرة الساكتين عن الحق، ولكثرة المداهنين في دين الله والذين يتمسحون ب(الملأ) ليغنموا فتاتاً من الدنيا، ويفضلون مصلحتهم الشخصية على مصلحة الأمة، ولا هم لديهم إلا العيش الرغيد ولو على ذلٍّ وصَغَار. ولكثرة صنف اخر من البشر وهم المتسلقون على حساب الاخرين، وعندئذ يتم إبعاد أصحاب الصدق والنبل والوفاء، وحتى إن الرجل المخلص المجاهد في الحق ليصعب عليه التعرف على أصحابه الذين بدأ معهم الطريق.

ولأهمية هذا الخلق في حياتنا جاء في الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “شر ما في المرء شح هالع وجبن خالع” فما فائدة الإنسان إذا كان بخيلا وجبانا، والرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ من هذين الخلقين لأنه إذا زلزل القلب ضاع تدبير العقل، وظهر الفساد على الجوارح، ووضعت الأمور في غير موضعها، وعندما تفقد الشجاعة وتطمئن النفوس إلى خصال من الضعف والخور تتبدل المصطلحات ويصبح قول الحقيقة يسمى: دخولا في ما لا يعني وإلقاء بالنفس إلى التهلكة، والمتصف بالجبن يسمى حكيما وعاقلا ومسالما…

كان موقف الحسن بن علي رضي الله عنه في تنازله عن الخلافة رعاية للمصلحة العامة وحقنا للدماء يمثل قمة الشجاعة الأدبية، وكذلك كان موقف الصحابي الجليل خالد بن الوليد حين عزل عن القيادة العامة وقبل أن يكون جنديا تحت إمرة أبي عبيدة رضي الله عنه. الشجاعة هي أن يقف الرجل أمام الكثرة التي يعتقد أنها على غير الصواب ويقول: لا، وهذه الوقفة، وهذا الرفض ليس من قبيل العناد أو الغضب السريع ولكنه جاء بعد الدرس والتمحيص، إنها (لا) التي قالها أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين وقف في وجه المرتدين وأصر على قتالهم رغم معارضة بعض الصحابة وهي التي قالها الأئمة أبو حنيفة وأحمد بن حنبل وأمثالهم من العلماء العاملين الذين قالوا كلمة الحق في إبانها بشجاعة وحزم.

وهي (لا) التي يقولها في هذه الأيام الرئيس التركي أردوغان في وجه أمريكا ونفاقها وكيلها بمكيالين، فتطلب منه حماية (عين العرب) ولكنها لا تهتم بملايين السوريين في حمص ودمشق وحلب وهي (لا) التي قالها العالم ( أينشتاين ) للمثقفين في أمريكا حين تسلطت عليهم المكارثية ( 1 ) وراحت تتهم بالخيانة كل من يخالف التوجهات التي جعلتها ميزاناً واختباراً للمواطنين ، يقول : ” على كل مثقف يتم استدعاؤه أمام هذه اللجان للتحقيق أن يرفض الشهادة ، وان يكون مستعداً للسجن والمعاناة من أجل مصلحة الحرية الفكرية في بلاده ” (  2) .

الشجاعة هي أن لا نسلم بغرق المركب رغم التحديات الكبيرة التي تواجه المسلمين في المنطقة العربية في هذه الأيام ، ورغم التفرق والتمزق الداخلي ، يجب ألا نكف عن محاربة المنكر ، هذا من واجبات المسلم . هذه الشجاعة يحتاج إليها المسلمون لأن العواطف الفائرة التي لم تبن على الحقائق هي التي تتغلب أحياناً ، إن قول نعم قد يكون سلبياً وربما عن غير اقتناع ، أو أن صاحبها يريد القبول عند الناس .

إن الخوف وحب الحياة – أي حياة – هو الذي يجعل الطغاة يحكمون الشعوب دهوراً وأعصراً ، بل يحكمونهم وهم في قبورهم ، هذا الخوف وهذا الحب للحياة كما قال تعالى عن بني اسرائيل ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ) أي مهما كانت هذه الحياة ، هو المدمر للمدنية والحضارة ، لأن الحياة إذا خلت من خير ومن مثل أعلى لم يكن فيها عزاء وسلوان للإنسان ، وسوف تنحدر هذه المدنية انحداراً بائساً تعيساً .

الخوف والجبن المدمر لشخصية الإنسان هو الذي يسمح للأوهام ذات العربدة والضجيج أن يكون لها صوتاً مرتفعاً ومخيفاً ، كما هي صورة أمريكا اليوم في مخيلة وتصور بعض الناس ، تجدهم يخافون منها خوفاً شديداً ويظنون أنها وراء كل حدث وكل داهية ، إنها تمثل أمامهم حاجزاً مرتفعاً لا يتخطونه ، وبسبب هذا سيعملون بطريقة تؤدي بهم إلى التشرذم والضعف ، إنها أوهام سياسية في عقول الذين لا يعلمون ، كما جاء في الأسطورة التي تقول : ” التقى الوباء يوماً بقافلة في الطريق فسأله أفرادها : من أين هو قادم ؟ قال : من بغداد ، فقالوا له : إذن أنت الذي فتكت بالآلاف التي لقيت حتفها هناك . أجابهم الوباء : كلا ، لقد فتكت منهم بألف فقط أما الباقون فقد قتلهم الوهم ”

هكذا كان حال المنافقين في المدينة قبيل غزوة تبوك ، عندما راحوا يبثون الأراجيف يريدون تثبيط عزائم المسلمين عن الخروج لقتال الروم ويقولون : كيف تقاتلون بني الأصفر ، إن صورة الروم في أذهانهم مرعبة مخيفة ، والمنافقون قوم لايفقهون سنن الله سبحانه في النصر والتوفيق .

يقول الكاتب الروائي ( همنغواي ) متحدثاً عن الخوف أثناء الحروب : ” من أراد أن يعيش في إبان الحرب كما ينبغي فلينزع من ذهنه كل فكرة عن الخطر المحتمل ،فلن يكون الأمر سيئاً إلا ساعة وقوعه ، ليس قبل ذلك ولا بعده ، ومن تعلم أن يعيش في صميم لحظته الحاضرة فقد تعلم أفضل خصال الجندية ”

الشجاعة في قول الحق والأمر بالمعروف هو من صميم شخصية المسلم ، أما الشجاعة في المعارك والبطولات الفذة في تاريخنا فهذا له حديث آخر .

  • هي اتجاه سياسي ظهر في الولايات المتحدة عام 1950 يهدف إلى تشديد الرقابة على الشيوعيين الذين يعملون في الدولة ، وينسب هذا الاتجاه إلى عضو مجلس الشيوخ الأمريكي جوزيف مكارثي ، وقد اتهم عدداً من موظفي الحكومة وخاصة في وزارة الخارجية وقاد إلى سجن بعضهم ، وقد تبين فيما بعد أن معظم اتهاماته كانت على غير أساس ، وأصدر المجلس عام 1954 قراراً بتوجيه اللوم إليه ( مكارثي ) ويستخدم هذا المصطلح للتعبير عن الإرهاب الثقافي الموجه ضد المثقفين .
  • جريدة الحياة 19/6/2007

من يقف خلف تشويه تاريخنا؟

د.محمد العبدة

إن المتتبع لما ينشر هذه الأيام في بعض الصحف والمجلات أو في المواقع (الإلكترونية) وكذلك ما يقال ويتحدث به في الندوات الثقافية. سيلاحظ ظهور فئة من الناس  تدعي التجديد في التراث والثقافة، والتجديد عندها هو تحطيم الماضي، وخاصة التاريخ السياسي والحضاري للأمة (1) فتجدهم يلمزون ويغمزون من قريب أو بعيد في  الدولة الأموية خاصة ، وأنها دولة استبدادية، ثم يرجعون قليلا إلى الوراء ليقولوا: إن الإسلام لم يطبق إلا في عهد الخلفاء الراشدين بل في عهد أبي بكر وعمر فقط.

هذا التعميم الجائر الظالم من هذه الفئة يقول عنه أديب العربية الشيخ محمود محمد شاكر: “يلقي ظلا كثيفا قاتما  كئيبا على العصور الأولى، يدفع إلى الاستخفاف والتحقير والغلو في التهزؤ بأهل هذه العصور ، والشك في أمورهم، ويعمي عن معرفة الحقائق” (2) ليس بخاف على المسلمين العلماء منهم والمؤرخين أن دولة بني أمية ليست  مثل دولة الخلفاء الراشدين، هناك أخطاء وهناك ظلم من بعض الولاة، وهناك وضع للأموال في غير محلها ، ولكن أكثر ملوك الأمويين “كانوا من الحزم والعلم وحسن السياسة والإدارة على جانب عظيم، والسواس منهم معاوية وعبد الملك وهشام…”(3) وواسطة عقدهم وممن تفتخر بهم هذه الدولة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله. وأحواله وأعماله معروفة مشهورة، كما أن فتوحات بني أمية هي أبقى الفتوحات بعد فتوحات الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وأبعدها أثرا في اتساع نطاق الإسلام ونشر العربية. يقول الشيخ رشيد رضا عن بني أمية: “وكانت حرية انتقاد الحكام والإنكار عليهم على كمالها وأما الاستبداد فكان مصروفا للمحافظة على سلطتهم وقلما تسرب شيئا منه إلى الإدارة والقضاء” (4).

وهذا قتيبة من مسلم الباهلي من ولاة الدولة على خراسان يخطب في الناس “إن الله قد أحلكم هذا المحل ليعز دينه ويذب بكم عن الحرمات، وقد وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم النصر بحديث صادق وكتاب ناطق، ووعد المجاهدين أحسن الثواب، فوطنوا أنفسكم على أقصى أثر وإياي والهوينا” وهذا أشرس بن عبد الله السلمي عامل هشام بن عبد الملك على خراسان أرسل إلى أهل سمرقند وما وراء النهر يدعوهم إلى الإسلام على أن توضع عنهم الجزية، فسارع الناس هناك إلى الإسلام، وكتب إليه أمير سمرقند: إنهم لم يسلموا إلا تعوذا من الجزية، فقال له أشرس : من اختتن وأقام الفرائض وقرأ سورة من القران فارفع خراجه..” نعم لم يكن الحكم شوريا كما ينبغي وكما هو الواجب، ولكن وجود العلماء والقضاء المستقل والشريعة المطبقة يحد كثيرا ممن تحدثه نفسه بظلم العباد، وكأن البعض يقارنهم بالحكام  المستبدين في العصر الحديث الذين يتبعون أهواءهم وشهواتهم ولا يطبقون شرع الله، ويتعاملون مع أعداء الإسلام ولا رادع لهم من دين أو خلق. فالمقارنة كلها ظلم وجهل.

ومن جهة أخرى كانت الحضارة العلمية والاجتماعية على أفضل ما يكون، فلماذا ينظر للصورة من جانب واحد ولا ينظر للعدد الكبير من العلماء والفقهاء ومن الأبطال الفاتحين. إن هذا التوقيت في الاستهزاء بتاريخنا جاء بعد انتفاش الباطنية والشعوبية في هذه الأيام، ومن هنا تأتي الشكوك والريبة في الذين يتظاهرون بالحيادية والتعالم ويتفاصحون أنهم لا يريدون إلا النقد المجرد. ولعل الخطل جاء من الاعتداد بالنفس ممن يكتب في التاريخ والإفراط في الثقة في فرضيات لم توضع على محك التوثيق. وفي كل تواريخ الأمم هناك الواجهة القاتمة لبعض السياسات الظالمة، وهناك الوجه الحضاري من نبل الرجال وعطايا الخير، يقول المؤرخ (ول ديورانت): “الحضارة نهر ذو ضفتين، يمتلأ النهر أحيانا بدماء الناس من الظلم والخسف، ولكننا نجد على الضفتين في الوقت ذاته أناسا يبنون الحضارة ولكن المؤرخين متشائمون لأنهم يتجاهلون الضفاف ويتعاملون مع النهر” (5)

لا أحد يمنع أحدا من نبش التاريخ إذا كان المقصود بيانا لحقائق أو تصحيحا لمعلومات خاطئة، أو نقدا للعبرة، ولكن ليس لتغلغل شعوبي باطني حاقد. أفسد الحياة الثقافية وجعل تاريخنا مما يدعو إلى اليأس والإحباط.

ما هو الميزان الذي نستطيع به أن ننصف الناس في أمور معقدة من نوازع البشر واختلاف الطبائع والوجهات إنه نوع من أنواع الميزان الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في تزكية الأجيال الثلاثة (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) “ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ولا يداهن  في دين الله، ولا يأمر الناس بما يعلم أن الحق في خلافه ولا ينعت أحدا بصفة إلا بما علمه ربه وبما أنبأه..”(6) وليس هذا موضع تفصيل تاريخ كل خليفة من خلفاء بني أمية، ولكن هنا موضع للكشف عن أهواء الذين ينقضون غزلهم بعد قوة ، ويتبعون ما تعبث به أهواء الباطنية سواء علموا أم لم يعلموا، وذلك في إثارة الأحقاد والشغب على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى التابعين وعلى العرب الذين أزالوا الدولة الفارسية ففي دولة بني أمية كانت بقية من الصحابة على قيد الحياة ، وكان جيل التابعين وتلامذتهم الذين نشروا الإسلام وعلموا الأجيال وإذا كان الذين ينفثون هذه الأحقاد من الشعوبيين الجدد يعتبرون أنفسهم مسلمين فإن إسلام أجدادهم كان على يد الفاتحين العرب. وكان التفاف الناس حول هؤلاء الفاتحين فيه خير كثير، وعندما ذهبت هذه القيادة تفتت الدولة إلى دويلات في العصر العباسي الثاني.

  • وإذا لم يملك الجرأة أحدهم لتحطيم التراث، فلا يسمى مجددا، بل هو تقليدي حسب عرفهم
  • جمهرة مقالات 2/972
  • محمد كرد علي: خطط الشام 1/167
  • تفسير المنار 4/204
  • دروس التاريخ /15
  • محمود محمد شاكر: جمهرة المقالات 2/ 989

العلماء وتأسيس الدول

د . محمد العبدة

 ( 1 )

في منتصف القرن الخامس الهجري   ظهرت في الغرب الإسلامي دولة المرابطين ، وهي دولة إسلامية كبرى لها شأن كبير في تاريخنا ، ولها باع طويل في حفظ الكيان الإسلامي في الأندلس ، ووحدت هذا الغرب تحت رايتها .

أسس هذه الدولة الشيخ عبد الله بن ياسين مع تلميذه وصاحبه يحي بن ابراهيم الجدالي أمير قبيلة جدالة الصنهاجية ، كان ذلك نتيجة تخطيط محكم قام به علماء الإسلام المغاربة ، بدءاً من الشيخ أبي عمران الفاسي الذي بدأ دعوته في مدينة ( فاس ) قائماً بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذه الفريضة هي من أصول الإسلام في السياسة الشرعية ، لأن معناها الإصلاح من جميع جوانبه . انزعج حاكم المدينة من دعوة الشيخ وطريقته ، فخرج أبو عمران من ( فاس ) واتجه شرقاً واستقر في مدينة القيروان ، وهي مدينة ليست غريبة على أبي عمران فقد تتلمذ فيها على شيخه أبي الحسن القابسي ، ولعل هناك سر آخر في اختيار هذه المدينة، فالراحلون الى المشرق للحج أو لطلب العلم يمرون بهذه المدينه ، وهذا ييسر لقاء الشيخ بالعلماء وطلبة العلم والتدارس في شأن المسلمين خاصة وأن حال المسلمين في الأندلس والمغرب وصل إلى درجة كبيرة في الضعف والتفرق . فالأندلس تحولت الى دول الطوائف وبعضها يستعين بأعداء الإسلام على إخوانه ليكسب البقاء أو ليتوسع  أرضاً على هوان وذل .

كان الشيخ يترقب الحوادث ويسبر غور الدعاة الذين يرسلهم لتعليم الناس ، ويفكر طويلاً بأمر الإسلام في هذا الجزء من العالم الإسلامي ، ولا شك أنه باحث طلابه وإخوانه حول السبل الكفيلة للخروج من هذه النوازل التي زلزلت كيان المسلمين . جاءت الفرصة التي قدرها الله سبحانه وتعالى وذلك حين زاره في رحلة العودة من الحج الأمير يحي بن ابراهيم ، وسمع من الشيخ وأعجب به . ودار الحوار حول أحوال البلاد وقبائل صنهاجة الصحراوية ، وسأله الشيخ عن العدد فأخبره الأمير عن سعة بلاده وما فيها من الخلق . ورأى الشيخ في هذا الأمير الطيبة والطبيعة التي لم يفسدها الترف ولم يبطرها القوة والسلطان وشكا الأمير الى الشيخ حالة قومه وبلاده وأنهم بحاجة إلى فقيه يعلمهم أمور دينهم ويجمع كلمتهم ، وطلب من الشيخ أن يرسل معه أحد تلامذته . استجاب أبو عمران لطلب الأمير وكتب كتاباً إلى أحد تلامذته الفقهاء العاملين وهو الشيخ ( وجاج بن زلو اللمطي ) ، الذي استقر في مدينة ( نفيس ) وأنشأ فيها مدرسة لطلب العلم . وكانت لفتة ذكية من الفقيه وجاج حين اختار لهذه المهمة شاباً ألمعياً من تلامذته وهو عبد الله بن ياسين الجزولي ، الذي قام بالمهمة خير قيام وتوجه الى منازل قبيلة جدالة ، وكان لها الرئاسة على القبائل الصنهاجية الأخرى : لمتونة ، سوفة ، جزولة ، لمطة ، كانت طريقة الشيخ ابن ياسين أن يعلمهم أمور دينهم ولكن لم يكتف بذلك بل أراد أن يهذب من طباعهم ويخرجهم من بدائيتهم ، وكان حاسماً معهم في أمر الدين لا يداهن في ذلك ، فلم يرضوا طريقته وشدته في الحق فخرج من بلادهم وعاد إلى شيخه وجاج يطلب النصيحة غضب الشيخ وجاج من تصرف هذه القبيلة وطلب من الأمير يحي أن يعاتب قومه على فعلتهم ، ندمت القبيلة على تصرفها وطلب من الشيخ العودة ولكنه رفض وذهب إلى جزيرة قريبة من الساحل في منطقة ( السوس ) في أقصى جنوب المغرب ( ربما تكون قريبة من مصب وادي السنغال ) وكان ذلك أيضاً باشارة من صديقه الأمير يحي . وفي هذه الجزيرة أسس الشيخ رباطاً وسمى أتباعه المرابطين ، وعندما رأى وفرة الرجال الذين وفدوا إليه لطلب العلم خرج بهم من الجزيرة مجاهداً فاتحاً القرى والمدن التي عشش فيها الجهل وتحكم فيها الزعماء الظالمون وبعد وفاة الأمير يحي بن ابراهيم ، كان الساعد الأيمن للشيخ ابن ياسين وأقرب الناس له الأمير يحي بن عمر اللمتوني وكانت قبيلته ( لمتونه ) من المؤسسين لدولة المرابطين .                                                                             وكأن العلماء والصلحاء من الناس ينتظرون مثل هذه اللحظات ، ففي عام 447هـ اجتمع فقهاء سلجماسة وفقهاء درعة وصلحاؤها وكتبوا الى عبد الله بن ياسين والأمير يحي يطلبون الوصول لبلادهم ليطهروها من المنكرات ، استجاب ابن ياسين واستولى على درعة ثم سلجماسة وأصلح أحوالها وأزال ما فيها من البدع وأسقط المغارم المفروضة على الناس وهكذا استطاع الشيخ أن يقود المرابطين لتوحيد هذا الإقليم ( الغرب الاسلامي ) تحت راية الشريعة ، ومن أعظم أعماله محاربته للفئة المنحرفة عن الاسلام ( البرغواطيين) في منطقة ( تامسنا )وقد استشهد في المعركة التي خاضها معهم  .

كان ابن ياسين هو الرئيس الفعلي للمرابطين ، وهو صاحب الدعوة ، ولكنه لم يختر أن يرأس الدولة الجديدة بل جعل رئاستها لصاحبه وشريكه في الدعوة الأمير يحي بن عمر وبعد وفاة يحي تولى الأمر أخوه أبو بكر بن عمر ولم يكن أقل من أخيه يحي حرصاً على الدعوة وامتثالاً لأوامر الشريعة .

اتسعت حركة المرابطين اتساعاً كبيراً ، ويذهب أبو بكر بن عمر للدعوة في الجنوب ، في مناطق السودان الغربي ( ما يسمى اليوم السنغال وما جاورها ) ويترك قيادة الدولة لابن عمه يوسف بن تاشفين ، لقد تخلى عن الحكم لأن الدعوة كانت همه الأول .

قام ابن تاشفين بأمور الدولة خير قيام واتخذ مدينة مراكش عاصمة له وغدت دولة المرابطين دولة واسعة قوية مرهوبة الجانب وعندما كانت الأندلس تتناثر قطعاً بأيدي ملوك الأسبان النصارى ، اجتمع علماء الأندلس ورأوا أن لا مناص من الاستعانة بالمرابطين . وطلبوا من ملوك الطوائف الكتابه لابن تاشفين في هذا الأمر . كان ابن تاشفين يعلم أحوال الأندلس وتفرق أهلها فاستجاب لطلب علمائها وزعمائها ، واعتبر ذلك فرضاً دينياً ، وعبر الأندلس بجيوشه المجاهدة ، ووحد صفوف الأندلسيين ، وكانت معركة الزلاقة المشهورة التي انتصر فيها المسلمون انتصاراً ساحقاً ، وتوقف الزحف الاسباني على المدن الاسلامية لعقود قادمة .

لم يكن لابن تاشفين مطمع في الأندلس ولا في الغنائم التي تركها العدو ، تركها لأهل الأندلس ورجع الى عاصمته مراكش ، ولكن أمراء الأندلس نكسوا وعادوا الى طبيعتهم من التنازع والتفرق ، ويضطر ابن تاشفين للعودة مرة ثانية الى الأندلس ليقضي على الدويلات المتهارشة على الدنيا .

تربى ابن تاشفين في مدرسة عبدالله بن ياسين وهي مدرسة تربوية جهادية لا تستهويها المناصب ، فالذي ناصر وأسس مع ابن ياسين ذهب الى الجنوب والغرب الافريقي ليدعو أهلها الى الإسلام وترك الحكم لابن عمه .

تأسست دولة المرابطين على الخير والإخلاص وكان للعلماء فيها المكانة العالية .

ولذلك تتهم هذه الدولة من المستشرقين وبعض تلامذتهم بأنها دولة عسكرية وليست حضارية ، أهل الحكم فيها جفاة يحاربون الاتجاهات الفلسفية ، فالمهم عند هؤلاء هو انتشار الفلسفة ، وأهل الانصاف يرون أن هذه من مزايا المرابطين لانهم يهتمون بالعلم والعمل وليس بالجدل الكلامي ، يهتمون بالفقه وتطبيق السنه ، وهي دولة دعوية أرسلت الدعاة الى ممالك السودان فأسلم بعض ملوكهم ، وفي عهدهم أصبحت العاصمة مراكش مليئة بالعلماء الذين وفدوا اليها من كل حدب وصوب بسبب تشجيع المرابطين للحركة العلمية ، وفي تاريخ المسلمين ، كان للعلماء دور كبير ، فإما أن يضعوا الأمر في نصابه ويعيدوا للأمة حيويتها ونضارتها وإما أن يتركوا مهمتهم التي ندبوا اليها فيعم الجهل والنسيان . ومع الأسف لم تطل مدة بقاء هذه الدولة فقد حاربها وبقوة الذي ادعى المهدوية محمد بن تومرت وأجلب عليها قبيلته المصامدة وقضى على دولة المرابطين في فترة كانت الأمة الإسلامية بحاجة الى التوحد وتكريس الجهود لامتداد الاسلام والوقوف في وجه الزحف الأوروبي الآتي من الشمال .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ــ وهو قرن الإحياء السني ، ففي المشرق أنقذ السلاجقة الخلافة العباسية من تسلط البويهيين الشيعة ، وفي

    الغرب الإسلامي قامت دولة المرابطين .

حين تُفتَقد الشجاعة

                                       

د . محمد العبدة

 

سألني أحد الأخوة عن أحداث أوكرانيا التي تتصدر واجهات الإعلام في هذه الأيام ، قلت له : إن روسيا تقف أمام غرب جبان ، لا يتحدث إلا عن الحلول الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية ولذلك فهو يستبعد أي حل عسكري سواء لمشكلة اوكرانيا أو غيرها في العالم .

رئيس روسيا يعلم هذا ولو احتل شبه جزيرة القرم ، فلن يتحرك الغرب سوى بالضغوط الاقتصادية والسياسية ، وهذا أمره سهل ، أما مساعدته للنظام المجرم في سورية فلا نستطيع أن نقول انه يتحدى الغرب في هذه المنطقة ، لأن الغرب وكأنه راض عما يحدث للشعب السوري المسلم السني .

لقد فقد الغرب في السنوات الأخيرة السياسيين الذين يملكون شيئاً من الشجاعة في اتخاذ القرار ، وقد عبر عن هذه الحالة الكاتب الروسي الهارب من جحيم الشيوعية (سولجنتسن) في ندوة نظمتها جامعة هارفارد ووصفها بأنها ( زوال البأس ) في الطبقة الحاكمة وعند نخبة المفكرين في الغرب ، وتابع يقول : وإذا كان هناك أفراد فيهم شجاعة وبأس ولكنهم لا يلعبون أي دور مسؤول في الحياة السياسية .

إن كلام الكاتب الروسي يدل على فهم عميق للمجتمع الغربي ، فالرفاهية وهي إحد الأسباب سواء في الغرب أو غيره من البلدان سوف تنتج أجيالاً لا تملك الشجاعة في اتخاذ القرار .

وأما الأسباب الأخرى ( عندنا في الشرق خاصة ) فهي العيش في أجواء الظلم والقهر وعقم التربية في المنزل والمدرسة ، فهذا مفسد للبأس وذاهب بالمنعة كما يقول العلامة الاجتماعي ابن خلدون .

هذا الصنف من القيادات الذين ألفوا الضعف والخور يسمون ما هم فيه حكمة وعقلاً ، ومسالمة وربما يسمونه ذكاء ودهاء ، وأن غير ذلك من الأمور هو الدخول فيما لا يعني وإلقاء النفس في التهلكة ، وفي السياسة هناك أوهام ذات عربدة وضجيج ، ترعب أصحاب القلوب الخاوية كهلع المنافقين عندما تحدثوا عن استعداد الرسول صلى الله عليه وسلم لغزوة تبوك ، قالوا : كيف نحارب بني الأصفر ( الروم ) .

وكهلع السياسيين في سورية في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي من ضباط الجيش ، ولذلك لم يقوموا بأي عمل يمنع من تسلط العسكر ومجيء حزب البعث ثم الحكم الطائفي الذي ركب موجة البعث .

الشجاعة فضيلة عظمى ، فالشعوب لا تفرح للذكاء بقدر ما تفرح للشجاعة التي يقدرونها أكثر من غيرها ، بل الشجاعة هي أم الفضائل لأنها هي التي تساعد على الصبر ، وعلى النصر ، وفي زمن عز فيه البطولات تتطلع الشعوب إلى شجعان يقولون الحقيقة عارية واضحة ، فهذه الشجاعة الأدبية تشفي أمراض الفساد ، وتبعد الخوف الذي يجعل بعض الطغاة يحكمون الناس وهم في قبورهم .

الشجاعة مطلوبة وخاصة في هذه الأيام ، وفي الظروف السيئة التي تحيط بالمسلمين في كل مكان .

الشجاعة تؤدي إلى قرارات حاسمة ويمكن أن يقال فيها لا . والرفض هنا ليس سلبياً ولا هو عناداً ولكن (لا) تأتي بعد الدرس والتمحيص ، ولأن وراءها (نعم) لما يُراد وما يُبتغى ، ومن أعظم الأمثلة على هذه الشجاعة ما قام به الصديق رضي الله عنه حين أصر على مقاتلة المرتدين رغم معارضة بعض الصحابة ، وكان موقفه هو الصواب .

بعض السياسيين عندنا لا يدركون أهمية ( لا ) في الوقت المناسب ، وأنها رفض لواقع سيء ، وقد يكون هذا رادعاً للعدو مرضياً للصديق .

بعض السياسيين في بلادنا يملكون أوراقاً كثيرة ولكنهم لا يستفيدون منها في مواجهة الآخرين ، أو لا يستفيدون منها في تقوية جانبهم وتثبيت دولهم وذلك لأنهم مقيدون بسلاسل الخوف ، لماذا لا يقول الائتلاف السوري (لا) لجنيف (2) وما بعده ، ويقولون للغرب وللعالم ، لا نقبل هذه المراوغة والمراوحة والشعب السوري يقتل كل يوم آلاف المرات .

ولماذا لا تقول المعارضة السورية للذين يسمون أنفسهم أصدقاء سورية أين أنتم ، وماذا فعلتم للشعب السوري ولماذا لا يكون عندكم شجاعة لقول الحق ، أليس هذا أفضل من كثرة الاجتماعات بلا طائل .

إنّ شر ما في الإنسان أن يكون بخيلاً وجباناً ، كما جاء في الحديث ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( شرما في المرء شحٌ هالع وجبنٌ خالع ) والجبن الخالع هو الذي يزلزل القلب ، وعندئذ يضيع تدبير العقل وتوضع الأمور في غير مواضعها . والخوف يأتي من حب الحياة ورغد العيش وهو ما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم ونعت به هذا الصنف من المسلمين بأنهم غُثاء كغثاء السيل .

الحق والباطل


د.محمد العبدة

 

حين يظهر الحق واضحا جليا لا لبس فيه ولا خلط، وحين يظهر الباطل جليا مكشوفا بارزا، حين نرى أناسا لا يريدون الاسلام صراحة ويعارضونه بشتى أساليب الكذب والتشهير ويتقربون للغرب بأنهم يحاربون (الإرهاب)، الإرهاب الذي تحول إلى صناعة يتقنها الذين يريدون تحقيق أهدافهم. حين ذلك وفي هذا الوضوح تبدأ المعركة الحقيقية، ومن هنا يبدأ النصر، فالذي في قلبه مرض سينحاز للباطل ونعرفه، والذي في قلبه إيمان وأخلاق وإنسانية سينحاز للحق ونعرفه وسيصبح مساعدا ومؤازرا ونصيرا.

وقد وضح هذا الحق عندما ثار أهل السنة في العراق على الظلم الواقع بهم، وعندما أيد الغرب حكومة العراق في قمعها لأهل السنة، وعندما سكت الغرب عن جرائم النظام السوري، وعندما أيد الانقلاب في مصر. إن الذين يقولون للعسكر: (أكمل جميلك) والذين تعودوا على الخضوع للعسكر والذين يرددون دون عقل ولا ضمير ما يقال في الإعلام. هؤلاء ما هويتهم وما منبتهم ومن أي الأسر والقبائل وكذلك أمثالهم من السوريين الذين يقفون مع (بشار) وزمرته بعد كل الذي حدث من قتل وتدمير وتشويه للإنسان. إنه انحطاط نفسي وخلقي كان أمثالهم في الجزائر أيام الاستعمار الفرنسي يقولون: (أمنا باري (باريس) احفظها يا باري)!! وكان أمثالهم أيام حرب الخليج الثانية يكادون يقبلون أيادي (بوش).

   من أين أتت هذه النفسية المهزومة المأزومة، ومن أين أتت هذه الوحشية من قبل الشرطة والعسكر، يقتلون أبناء بلدهم وبدم بارد، كيف يتسنى لضابط في الشرطة أن يصوب ناره على أعين المتظاهرين خاصة، وقناص النظام في سوريا يصوب بندقيته على الجنين في بطن الحامل.

من ربى هؤلاء على أن لا يحملوا في نفوسهم أي معنى من معاني الإنسانية أو الأخلاقية، لماذا في منطقتنا خاصة يوجد هذا النوع من البشر لم نر جيشا في أوكرانيا او غيرها يقتل الناس بمثل هذه الوحشية التي عندنا، هل الاستبداد الطويل هو الذي أنتج هذا النوع من البشر، أم إنهم من النوع الذين يعملون الشر وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا، لقد ضل سعيهم وخابوا وخسروا إن كانوا يظنون ذلك.

والسؤال الآخر : لماذا هذا التنافر الشديد بين أفراد الشعب الواحد، هل لأن المنطقة العربية وبسبب موقعها تستقبل موجات من الأعراق المختلفة من الشرق والغرب وهذا أدى إلى فسيفساء عرقية ودينية، وكل يتعصب لعرقه أو دينه تعصبا لم يبن على عقل أو علم، وتنشأ عند ذلك العزلة والخوف من الاخر. لماذا لم تنصهر هذه الشعوب في بوتقة الحضارة الاسلامية حتى يكون الحوار والمنطق هو الذي يسود العلاقات والخلافات، بل نشاهد أنهم لا ينصهروا في بوتقة الوطنية التي تعني الحرص على البلد أرضا وسكانا واستقلالا، لأننا نشاهد من تصرفات المستولين على الأمور ما يناقض الوطنية وكأن هدفهم هو التخريب.

إن الأمة لا تتقدم دون هذا الانصهار في مفهوم واسع ومحدد، لتكون الوجهة واحدة ولا يقع التفتت والتشرذم تحت مسميات التعددية الثقافية والعرقية، ولا يتم الانضاج الحضاري دون التجانس والتوحد، وهذا لا يعني إلغاء المكونات الجزئية قال تعالى: ((وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)) فالمقصود النهائي هو التعارف وهو التكامل والتوحد.

إن غفلة الشعوب التي لم  تمارس الفعل السياسي منذ أمد بعيد ولم تعرف خبايا ودهاليز السياسة، وكيف يخطط أعداء هذا الدين، وما هي الاساليب التي يستعملونها، هذا الغفلة هي التي أدت إلى الخدعة الكبرى التي وقعت لثوار “يناير” في مصر فقد ظهر الجيش وكأنه يقف على الحياد، وكأنه يحمي الثورة وصدق الناس ذلك ولكن الحقيقة كانت كما عبر وزير الشؤون القانونية في عهد الرئيس مرسي بأنه كان انقلابا، انقلاب على مبارك وتسلم السلطة من قبلهم، وهكذا رتبوا الأمور ثم شغلوا الناس في الانتخابات وعندما جاء الوقت قام الانقلاب العسكري على حكومة مرسي، لقد أزاح الثوار رأس النظام ولم يزيحوا النظام، ولم يدرسوا الخطوات العملية لإزاحة كافة أركان النظام.

وإنه من الغفلة أيضا أن يظن البعض أن أمريكا والغرب الغرب  عموما يفضلون للمنطقة العربية نظاما تعطى فيه الحرية للناس، لقد عادت أمريكا لتأييد الانقلابات العسكرية كما فعلت سابقا مع عبد الناصر ومع الانقلابات في سوريا. إن أقطاب السياسة المحترفون لها يعلمون كيف يؤثر الإعلام في نفوس الضعفاء وما يحدثه من أوهام في عقولهم فيضخم ما يسميه (الإسلام السياسي) وأنه سيطر على كل شيء. بعد هذا الدجل السياسي الذي مارسه الإعلام المؤيد للعسكر علم الناس الحقيقة وظهر الحق واضحا ، هنا وفي هذه اللحظة يجب على الذين يقاومون الاستبداد ولا يريدون أن ترجع البلاد إلى الوراء، أن يتقنوا فن المقاومة السلمية بشتى أساليبها وأنواعها ، وأولها التوحد نحو الأهداف الكبيرة والتماسك الاجتماعي ، وسلامة الصدر من الخلافات الصغيرة .

إن ثقافة المقاومة السلمية لا تعني المظاهرات والمؤتمرات فقط ، بل تعني أيضا مقاومة ثقافة التغريب التي تعتمد على نشر الفساد وإلهاء الناس بالتافه من الأمور ، وتعتمد على أكل السحت وإثراء طبقة معينة تتحالف مع اهل الحكم ، وثقافة المقاومة السلمية تعني عدم الاعتراف بسيطرة الخصم ، لأنه عند هذا الاعتراف يصبح الإنسان فريسة سهلة تؤثر فيه الدعاية ويميل للإحباط .

ثقافة المقاومة أن يكون هناك مراجعة دائمة لسير الأمور ومعرفة الأخطاء والاعتراف بها ووجود مراكز بحث تنظر للعمل السياسي ، وثقافة المقاومة تعني فضح كل أساليب الديكتاتورية وتعليم الناس المطالبة بالحرية والعيش بالكرامة التي تليق بالإنسان .     

متابعات سياسية ( 3 )

متابعات سياسية ( 3 )

                           داء الأمم                 د. محمد العبدة

من المقولات المشهورة التي أطلقها المفكر الجزائري مالك بن نبي وهو يشخص أمراض الأمة الإسلامية – على الأقل في فترة الخمسينات من القرن الماضي – بأن عندها ( القابلية للاستعمار ) وهو يعني أن ليس عندها المناعة الثقافية والحضارية لمجابهة هذا الاستعمار الذي خرج من الباب بسبب المقاومة البطولية ، ولكنه عاد من النافذة محتلاً اقتصاديا وثقافيا .

إن هذا المصطلح وإن أغضب البعض واعتبروه نوعا من الإتهام للشعوب التي قاومت الاستعمار وضحت الكثير في ذلك ،ولكن لايزال يحمل نوعا من الصواب فقد عاد هذا الاستعمار ليمارس التخريب الثقافي ، وهو تخريب في جميع النواحي : الهوية والأخلاق والأسرة والمرأة وتحريض الأقليات العرقية والدينية،على الأكثرية الحاضنة للحضارة والمدنية ،  ونظرة الى مايحصل من تمزق وتشتت وصراع لاينتهي بين أهل البلد الواحد ما يؤيد ذلك ، وما يحصل في أفريقيا من قتال على أساس قبلي وعصبيات حزبية يؤيد ذلك . ونحن اليوم يمكن أن نقول بناء على واقع بعض الشعوب أن عندها القابلية للاستبداد ، فالذي يجري في مصر من عودة العسكر وموافقة جزء من الشعب على هذه العودة وفيهم المتعلمون أصحاب الشهادات ( ولا نقول المثقفين ) ما يؤيد هذه المقولة فبعد حركة ميدان التحرير التي أطاحت بنظام مبارك الاستبدادي نكس هؤلاء على رؤوسهم وعادوا لقبول الاستبداد، وبهذه المناسبة نحن نحي ونشيد بالأكثرية من هذا الشعب الذي يخرج يوميا رافضا حكم العسكر ، ولاشك أن الحرية لها ثمن ، ويجب ألا يعود الاستبداد ، هذا هو الشيء الطبيعي

كيف يهرب الناس من الحرية التي أتيحت لهم مهما كانت أخطاء من أتاحوها ؟ هل يعتبرون الحرية حملا ثقيلا لايقدرون عليه ؟ أم أنهم لايزالون بحاجة لرجل عسكري يسوقهم كما يريد ؟ هل لأنه يملك القدرة على البطش والأذى ، وأما المدني الذي يحترم المواطن فهذا دليل على ضعفه ؟

كيف يسلم الناس أنفسهم لفئة طاغية تتسلط على الأكثرية ، وتفرض عليهم ثقافة الصمت ، وتحيلهم إلى مجرد متفرجين على ما يجري حولهم ، والله سبحانه وتعالى حرم قتل النفس إلا بالحق ولكنه لم يبح قتل العقل لأنه بهذا العقل يشهد الإنسان براهين الحق وعظمة الرسالة .

إن هذا الصنف من الناس الذين لا يهمهم معرفة الحق ولا يسعون في طلب الحق ، يعجزون عن فهم القضايا التي تحيط بهم ، هذا العجز يسميه القرآن موتا ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) الأنعام/ 122 ، لماذا لا نستنبت الحرية ونزرعها في قلوب الناس حتى تنمو وتكبر ، وأعني الحرية التي هي ضد الاستبداد ، ويصبح الإنسان حرا من داخله لايقبل الظلم والاستعباد ولماذا لانبث العلم ( كل اصناف العلم النافع ) عندئذ يتاح للفرد أن يفكر ويختار ، وعلينا أن نوسع إدراك الإنسان لحقيقة إنسانيته ومنزلته بين الخلائق .

إن من طبيعة الاستبداد أن يضعف العقول حين يتبنى الخطاب القائم على الدجل والحكايات الممخرقة من شيوخ يبررون افعال السلطة الجائرة ويساعدوها على الفتك بالعلماء المستقلين ، ومن طبيعة الاستبداد أن يضعف الحس السياسي فالفرد هنا لايسمع إلا من إذاعات النظام ولا يشاهد إلا قنوات النظام ، ومن طبيعة الاستبداد أن يصنع الخوف في قلوب الناس حتى يصبح الخوف وكأنه شيء عقلاني ، وكأنه أسلوب حياة ويحول الشعوب إلى أناس ساكتين صامتين ، فهم كما قال تعالى : ( وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة )

                          ( السياسة والأخلاق )

مازالت بعض الحكومات العربية تنفخ في كير الوطنية الضيقة وتدندن حولها حتى غدت الوطنية وثنا يعبد من دون الله ، وقد أثرت هذه النغمة على بعض الناس وضاع عندهم مفهوم الأمة الإسلامية ، وابتعدت هذه الحكومات عن أخلاق المروءة والشرف ووصلت إلى منحدر عجيب ، فهي ترفض استقبال السوريين الذين فروا من جحيم الطغيان والقتل ولا تقبل إلا بمبلغ من المال وتأشيرة دخول ( الجزائر مثلا )

هذه الدول تتأفف وتمتعض من دخول السوريين الذين يظنون أنهم يلجأون إلى إخوانهم ، لقد ضاقت هذه الدول بهم ذرعا ، لقد أزعجوها في راحتها ونومها العميق وراحت تشتكي إلى الأمم المتحدة ، ونحن هنا لانتكلم ونطلب أشياء كبيرة أوعظيمة ، نتكلم عن الإنسانية ، أن يتخلقوا بها ، فمنذ متى كان السوري يحتاج تأشيرة لدخول مصر ، هذا شيء لم يتوقعه أحد .

لاتتذكر حكومة الجزائر كم كان حجم التعاطف من الشعب السوري تجاه ثورة الجزائر للتحرر من فرنسا ، وقد شهدنا بأنفسنا كم مرة يعلن عن أسبوع الجزائر في دمشق حتى تنهال التبرعات ، هذا عدا عن المظاهرات المؤيدة والمحتجة على فرنسا والأسر التي استقرت في دمشق وهذا من الواجب وليس تفضلا، فأين الوفاء وأين الأخوة .

كانت قصة وفاء (السموأل) تدرس في المدارس الإبتدائية ، وهو يهودي عاش في بيئة عربية قبل الإسلام فتعلم منهم خلق الوفاء حين ودع عنده الشاعر امرؤ القيس أسلحته ، وهل نذكر هذه الحكومات التي لاتناصر المستضعفين من المسلمين بما يقوم به بعض الشخصيات الأوروبية التي ذهبت الى سورية وقدمت كثيرا من الخدمات الطبية .

إن الشعب السوري حين يأوي إلى بلد من البلدان لا يلجأ للتسول بل يقدم على العمل ويستثمر أمواله إن كان صاحب مال ، وهو صاحب خبرة في العمل والتجارة ، فلماذا هذه المواقف المخجلة

ar → en
Political rebounds (3)
 

متابعات سياسية

متابعات سياسية

                      ( 1 )

      اتحاد الفصائل الكبرى في سورية

لم أفاجأ بخبر الاتحاد بين الفصائل  المجاهدة في سورية الذي نشرته وسائل الإعلام ، فقد كنت على علم بأن هناك خطوات تمهد لهذا الاتحاد ، وقد تحدثت عن هذا الموضوع مع بعض الأخوة من هذه الفصائل لأهميته البالغة  ولأنه كان يشغل بال كل مهتم بالشأن السوري وتداعياته ، وكتبت عنه في موقعي والمواقع الأخرى  ، وتحدثت عنه في بعض القنوات الفضائية ، فهذا الاتحاد كان مطلبا وأملا ، ولهذا فإننا نبارك للأخوة هذا الإجتماع الذي هو على الحق ان شاء الله ، ونساندهم في الاستمرار على هذا النهج ، ونرجو ونطلب أن يتلو ذلك خطوات أكبر وأوسع وأشد وثوقا وصاحب الشرع يقول : ” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ” .

وبهذه المناسبة أقدم هذه الكلمة الرائعة للشيخ العلامة البشير الإبراهيمي فإنها في الصميم مما نريده ونسعى له ، يقول رحمه الله متحدثا عن جمعية العلماء الجزائريين التي أسسها هو والشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله :” ومن غرائب هذه الجماعة التي كان ابن باديس شارة شرفها أن الشيطان لم يجد منفذا يدخل منه إلى أخوتهم فيفسدها ، أو إلى علائقهم فيفصمها ، فعاشوا متآخين كأمتن مايكون التآخي ، متحابين كأقوى ماتكون المحبة ، ولقد كانوا مشتركين في أعمال عظيمة ، معرضين لعواقب وخيمة ومن شأن ما يكون كذلك أن تختلف فيه وجوه الرأي ، فيكثر فيه اللجاج المفضي الى الضغينة والانتصار للرأي المفضي إلى الخلاف ، فوالذي روحي بيده ماكنا نجتمع في المواقف الخطيرة إلا كنفس واحدة ، وكنا نفترق – وإن اختلف الرأي – إلا كنفس واحدة .

إن لهذه الحالة فينا علة وثمرة ، أما العلة فهي أن اجتماعنا كان لله ولنصر دين الله ، ولتأدية حق الله في عباده ، فلا مجال للمنافسة وحظ النفس، وأما الثمرة فهي هذا النجاح الباهر الذي نلقاه في كل أعمالنا للأمة :في تطهير العقول ، وفي تصحيح العقائد ، وفي استجابة داعي القرآن ، وفي تمكين سلطان السنة . إن هذا من صنع الله لا مما تصوغه الأهواء النفسية الخبيثة ،وما جمعته يد الله لاتفرقه يد الشيطان “

                                 ( 2 )

               الخاسر الأكبر

سيكتب الكثير عن اتفاق ايران مع الغرب حول برنامجها النووي ، وكيف استطاعت ايران انتزاع الاعتراف بالمشروع النووي وإن بشروط غربية ،  وكيف استرجعت بعض أموالها ، وكيف كسرت الحصار الإقتصادي المفروض عليها ، وسيكتب عن المفاوض الايراني الذي يمارس السياسة بعقلية تاجر البازار ، ولكن الذي لم يكتب وربما لن يكتب من قبل الصحافة والاعلام هو أن هذا التقارب بين الغرب وايران أو هذه الاجتماعات الطويلة التي كشف عنها أخيرا ، كل هذا يدل على أن الاستراتيجية الغربية البعيدة المدى الراسخة في عقول الغربيين هي أن الشيعة أقرب لهم من السنة ، فمن خلال الحاضر والماضي أثبتت التجارب والتاريخ أن الشيعة يتحالفون بسهولة مع الغرب ويشتركون معه في أمور كثيرة ، ذلك لأن هدفهم ليس ( الشيطان الأكبر ) كما يسمونه دجلا دعائيا ، ولكن هدفهم الأكبر هو إضعاف السنة بكل الأساليب ، سواء الدعاية أوالقتل والقتال أواستخدام المال والنساء .

الاتفاق كان بشكل عام لصالح ايران ، وأما قصة السماح للمفتشين الدوليين بزيارة المنشآت النووية فهذا ليس مشكلة لأن ايران تؤجل التخصيب الذي تريد إلى وقت مناسب ، المهم الآن أن تربح ليس مالاً وتجارة فقط بل سيطرة اقليمية ، هي الآن لاعب كبير في المنطقة ، والخاسر الأكبر هم العرب ، لأن تقوية ايران هو تقوية لنفوذها في العراق ولبنان ولطموحها وتدخلها في سورية .

الغرب أعطى ايران ما تريده ومعنى هذا أن المنطقة العربية لاتهمه كثيرا أوليس لها شأن كبير ، ولننظر ماذا يجري بين المغرب والجزائر وما يجري في تونس وليبيا وأما مصر فقد خرجت بالإنقلاب العسكري من الشؤون العربية والإقليمية . ولا يقال هنا هل تستطيع ايران أن تتلاعب بالغرب ؟ إن القضية ليست مسألة تلاعب ولكن الغرب ضعيف سياسيا لضعف أمريكا وعنده مشكلة ايران النووية فليحلها جزئيا ، وكما يقال الغرب عملاق اقتصادي وقزم سياسي 

الطريق ليس هناك

 

د. محمد العبدة

الطريق ليس الى جنيف 2 ولا الى جنيف 3 وإنما عند الأمة ، عند الشعب السوري الذي صمد حتى الآن رغم كل الأهوال التي انصبت عليه ، الحل ليس في دهاليز الفنادق حيث تبدأ التنازلات والمساومات ، وحيث يتسلل الذين يتقنون انتهاز الفرص ، ويتقنون النفاق ، هؤلاء يتنازلون عن أشياء كثيرة مقابل بعض الفتات ، وبعض هؤلاء يفرح إذا صافحه الوزير الفلاني أوالرئيس الفلاني ،لقد تخلى مايسمى المجتمع الدولي عن واجباته الأخلاقية والإنسانية وليس غريبا هذا الفعل منه ، وتخلى الأصدقاء ، فالإنقلاب في مصر جعل من مصر دولة هامشية في المنطقة لاتستطيع أن يكون لها دور في أحداث سورية ، هذا إن لم يكن لها موقف سلبي من الثورة السورية ابتداء ، وتركيا رغم موقفها الإيجابي بل والمشرف مقارنة بغيرها ولكنها بدأت تراجع حساباتها مع دول المنطقة ، ويجتمع وزير خارجيتها مع نظيره الايراني ،

كيف تذهبون الى جنيف وليس معكم تفويض من الشعب ولا اتفاق وتفويض من الكتائب التي تقاتل على الأرض ، كيف تذهبون والمعارضة أصبحت معارضات ، معارضتان في الداخل تريدان الحضور ، هذا عدا عمن يدس أنفه ليحضر كمعارض ولوفرديا  ، وكيف تجلسون مع ايران الداعم الأكبر لقتل الشعب السوري ،

إن من سياسات الغرب الثابتة ميله للتعامل مع الطوائف وليس مع الأكثرية ، فالمشاعر العرقية أو الطائفية هي التي يريد توطيدها ، ومن ثوابته أنه لايبرم عهدا إلا على نية نقضه عندما تحين الفرصة المناسبة ، كما قال تعالى ( وما وجدنا لأكثرهم من عهد ) ولذلك لا يوثق بأمريكا ووعودها ، وروسيا وايران عدوتان لدودتان للمسلمين في سورية ، فلم يبق إلا أن ترجعوا – وأعني المعارضة السياسية والإئتلاف خاصة – أن ترجعوا الى ضمير الشعب السوري وإلى معاناة الشعب السوري وترفضون الشروط المذلة التي يريدها منظمو جنيف وعلى رأسهم الإبراهيمي .

ألا يستحق هذا الشعب الذي يحمل ميراثا عريقا في الإسلام وحافظ على الفضائل الأخلاقية قرونا رغم كل ماعاناه من ويلات الإستبداد والإستعمار ومكر الغرب الذي حاول محو مقوماته بالتدرج والخفاء ، حارب الايمان بالإلحاد والوحدة بإثارة النعرات العنصرية والعربية بإحياء اللهجات الإقليمية ، ألا يستحق هذا الشعب التقدير وأن يسمع صوته وماذا يريد ؟أبعد كل هذا الدمار يبقى بشار على أرض الشام ؟ ماهذه الدول التي ترى كل يوم القتل لشعب يطالب بحريته ثم يختزلون القضية في تدمير الكيماوي الحل هو في التعاون والاتحاد والوحدة ، وحدة السلاح والمال ، وحدة التخطيط وغرفة العمليات الموحدة ، وعندئذ إذا كان لابد من الذهاب الى جنيف ستذهبون وانتم أقوياء ، تفرضون الشروط التي لابد منها ، الشروط التي لاتنازل عنها ، إن الخطأ في مثل هذه اللحظات يجر الى الكوارث ( وما اتفاقيات اوسلو عنكم ببعيد ) وفي التاريخ الحديث وفي مفاوضات المغرب مع فرنسا وبداية التنازلات علق الأمير محمد بن عبد الكريم : إن هذا خذلان لإخواننا في الجزائر، ونحن نقول : إن الذهاب لجنيف تحت شروط مذلة هو خذلان للشعب السوري . إنها لحظات مصيرية لايجوز النظر إليها بعين السهولة وأننا نقبل الآن أي شيء لتمرير هذه المرحلة .

في جنيف ستكون الضغوط والمساومات حتى تتبرأ امريكا  ويتبرأ الغرب ويقول لقد حاولنا وقمنا بواجبنا ولكن الأطراف أفشلوا المؤتمر . إذن من الآن نكون واضحين ، لانريد حلولا عرجاء ، حلولا لاطعم لها ولالون ، نريد حلولا يرجع فيه الحق لأصحابه ، ويعاقب المجرم على إجرامه ،

تذكروا يامن ستذهبون الى جنيف ماذا سيكتب التاريخ عنكم ، وماذا ستقول الأجيال عنكم ، والله غالب على أمره .