د. محمد العبدة
يؤكد ابن خلدون في مقدمته أن من طبيعة العرب ( الذين لم يتحضروا التحضير الكافي ) يؤكد أن من طبيعتهم الميل إلى الأمور السهلة وتجنب الأمور الصعبة ، فكل مستصعب هم تاركوه إلى ما يسهل حسب عبارته ،
هذا الحكم قد يعتبره البعض قاسياً ولكن الحقيقة أننا نرى اليوم شيئاً مما قاله ابن خلدون ، فالمطالبة بالحقوق أسهل من القيام بالواجبات ، والشكوى إلى الأمم المتحدة والحديث عن ( المجتمع الدولي ) و ( حقوق الإنسان ) أيسر من بناء المؤسسات القوية والفعالة التي تجعل المجتمع الدولي ينصت إلينا ، والحديث المستمر عن المؤامرة علينا من الغرب أوالشرق وأنها هي السبب في تخلفنا أهون من البحث عن أسباب الخلل عندنا وأسباب الضعف وكيفية العلاج .
ومن الأدلة أيضاً ما نلاحظه في باب الاقتصاد من الميل إلى استيراد الأشياء من الخارج ، فهذا أسهل من تصنيعها ومن وبناء المؤسسات التي تقوم بأود استثمار المال بالطرق الصحيحة .
وبعد ابن خلدون يأتي المفكر الجزائري مالك بن نبي ليتحدث عن ما يسميه ( ذهان السهولة ) وليقرر شيئاً قريباً من هذا ، ومن الأمثلة على ذلك : استسهل العرب ما يدبر من مخططات صهيونية وغربية لاحتلال فلسطين ، ورفعوا شعارات لاتسمن ولاتغني من جوع ، وكانت النتيجة ما هو واقع اليوم . وبعيد الاستقلال ( الظاهري ) عن الاستعمار أو أثناء الكفاح ضد الاستعمار وقعت الشعوب العربية في فخ ( الانتخابات ) حيث أقيم لهم عرس يفرحوا به ، وتصدر المشهد السياسي الانتفاعيون والانتهازيون الناهبون لثروة هذه الشعوب ، ورفعوا شعارات هي كالعسل الذي يجذب الذباب ، وتعودت هذه الشعوب على طلب الحقوق دون القيام بالواجبات ، والسياسة التي تقوم على طلب الحقوق ليست إلا ضرباً من الخرافة ، والحقيقة أن الشعوب ليست بحاجة للكلام عن الحقوق بقدر ما هي بحاجة لأن يُحدد لها الوسائل التي تحصل منها على هذه الحقوق ، وهذه الوسائل هي الواجبات .
وفي هذه الأيام حيث نعيش الهجوم الفكري والاحتلالي من جميع أعداء الإسلام ، في هذه الأيام عقد مؤتمر ( غروزني ) في الشيشان المحتل من قبل روسيا ، وهدف المؤتمر المعلن توضيح من هم أهل السنة .
ورغم أن أهداف هذا المؤتمر ليست خافية على من عنده أدنى معلومة عن الحاضرين وعن الممولين ، ورغم أنه مؤتمر له أهداف بعيدة وخطيرة لزرع الخلاف والكره ، ومحاربة الإسلام الصحيح ، الإسلام المقاوم لأهداف روسيا والغرب ، ولا بد من فضح هذه الأهداف ، فروسيا تريد إسلاماً يناسب الشعوب الإسلامية الخاضعة للإحتلال الروسي ، والغرب يريد إسلاماً مستسلماً ، ويشجع صوفية خرافية لمواجهة منهج أهل السنة .
ورغم أهمية الرد على ما حصل في غروزني وبيان الحق في ذلك إلا أنني لاحظت أن بعض الدعاة والعلماء أعطوه من الاهتمام أكبر من حجمه ، بل زاد اهتمامهم به أكبر من الاهتمام بأمور هي أخطر وأعظم شأناً ، ويشعر القارئ أو المتابع لما يكتبون أنهم وجدوها فرصة لمعركة كبيرة جداً تذكرهم بالمعارك التي خاضها العلماء سابقاً ( وكانوا محقين بسبب ظروفهم يومها ) وكل هذا لأن الرد هنا أسهل من الأمور العملية المطلوبة ، من الجهود التي فيها التعب وإنفاق المال ، ايران ومليشياتها تقتلع أهل السنة من مدنهم وقراهم وتهجرهم لتغير الديمغرافيا السكانيه كما فعل أسلافهم اليهود في فلسطين ، فهذا أخطر من مؤتمر غروزني ، ومقاومة المشروع الصفوي بحاجة إلى عمل وحركة ودعوة مباشرة في أقطار المسلمين ، وبناء المؤسسات التي تساعد على ذلك ، وغيرها من الأعمال المهمة التي تقف في وجه أهداف مؤتمر غروزني .
كل هذا لا يعني أبداً أني أقلل من خطر أهداف الذين حضروا مؤتمر غروزني ولكن من طبيعة الإسلام أنه يريد من أصحابه أن يختاروا طريق بذل الجهد والتعب ، وأن يدركوا بدقة ما هي الأولويات ومعرفة الأهم قبل المهم .
ر