إصلاح التفكير

                                                       د . محمد العبدة

يخادع الإنسان نفسه أحياناً ، يريد أن يغطي على أخطائه أو فشله فيلجأ إلى سياسة التبرير ، فهو يقول : إن هذه الأخطاء وهذا الفشل هو بسبب الآخرين ، وأما أنا فقد قمت بما يجب علي ، لقد بذلت جهدي ولكن مؤامرات الأعداء هي التي عرقلت الوصول إلى النتائج المطلوبة .

أهل السياسة يقولون : الاستعمار ، الغرب هو الذي فرق شملنا وأضعف اقتصادنا ، والبنك الدولي أضعف ميزانيتنا ، وهو الذي يعرقل مشاريعنا التنموية ، والطالب الكسول يقول : لقد درست ولكن الأسئلة كانت صعبة لم نتوقعها ، والمزارع يقول : لقد ضعف إنتاج مزرعتي لأن الأعشاب الضارة تسربت إلينا من عند الجيران .

هذه الطريقة في التفكير وكأنها تريح بعض الناس من عناء التفكير والبحث الجاد عن المشاكل وحلولها ، ومن عناء الأخذ بالأسباب كاملة ، لأن المؤامرة بنظر صاحب هذا التفكير هي أكبر منا وهي واقعة وموجودة فما الفائدة ؟ ولماذا التعب والمشقة ، بل هو يريد أن يقطع عليك الطريق لأنه يخشى أن تشركه في التفكير السليم والعمل الجاد ، لقد تضخم عنده هذا المنهج وسيطرت عليه نظرية المؤامرة وأصبح أسيراً لها .

هذه الطريقة في التبرير هي طريقة ابليسية ، حين عصى ابليس ربه ولم يسجد لآدم عليه السلام برر ذلك بأنها غواية من الله سبحانه وتعالى ( قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) الأعراف / 16بينما نجد آدم عليه السلام اتخذ الطريق الصحيح ، اعترف بخطئه فتاب الله عليه ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ) البقرة/ 37

عندما نفند هذه الطريقة في التفكير فهذا لايعني أن ليس هناك تآمر وكيد من الأعداء فقد تعرض العالم الإسلامي للإحتلال والتقسيم وما تزال الحرب الثقافية والاقتصادية ، وما تزال أمريكا تؤيد الحكومات الديكتاتورية وتشجيع الضالين المضلين من أبناء جلدتنا ، نحن في صراع مع الغرب منذ خمسمائة عام عندما بدأ ما يسمى فترة الاستعمار من البرتغال واسبانيا وبريطانيا وفرنسا ثم أمريكا وروسيا ، وهذا الصراع من السنن الكونية ليميز الله الخبيث من الطيب ، إنهم يخشون من أن يعيد الإسلام سيرته الاولى ، ولكن هل هذا الغرب هو الذي أوجد أوحرَض على هذه النقائص الموجودة عندنا ، هل هو الذي قال لنا : اكذبوا ولاتفوا بوعودكم ولا تتقنوا أعمالكم وغشوا في صناعتكم وزراعتكم ؟ وإذا وجدنا أن بعض الشعوب تغربت والتحقت بثقافة الغرب فما ذاك إلا لوجود القابلية عندهم للتغرب . وإذا كان هذا الغرب أيام سطوته الاستعمارية استطاع أن يضع الحدود ويمارس التقسيم بين الشعوب الشقيقة ولكن هل يستطيع أن يمنعنا من التوحد أوالتعاون لوأردنا ذلك بصدق وإخلاص ؟ وإذا كانت الحضارة الغربية ملأت حياتنا بمنتوجاتها النافع والضار فذلك لأننا سوق مفتوح دون تحفظ ويستهوينا الاستيراد والاستهلاك .

إن هذا المنهج في التفكير الذي يفضل الاستراحة من عناء البحث ولا يعترف بأخطائه لا يليق بالمسلم ، كما لا يليق به أن يتعود على هذا الكسل الفكري ويعتمد طريق السهولة لحل المشاكل الصعبة التي تحتاج إلى الجهد الكبير والعمل الدؤوب ، لا يليق بالمسلم هذا الرضا الزائف عن نفسه مع أننا بحاجة إلى النقد الأمين لأحوالنا وطرائقنا ، نحن بحاجة للرجوع إلى قوله تعالى ( قل هو من عند أنفسكم ) .

الإصلاح يبدأ من الداخل ، فإذا كان قوياً متماسكاً فالغالب أن الخارج لا يستطيع التأثير عليه ، وإذا استطاع فهو من قبيل الضرر فقط كما قال تعالى ( لن يضروكم إلا أذى ) فهو أذى وليس اقتلاعاً من الجذور ، والشجرة القوية الصلبة الضاربة جذورها في الأرض قد تميل أغصانها ريح عاصف ولكن لا تقتلعها ، أما الشجرة المنخورة من داخلها فإنها تهوي من أول عاصفة .

لماذا نستريح لثلب الآخرين ونبتعد عن مواجهة أنفسنا ، لماذا لا نعترف بأخطائنا قبل أن نرميها على أكتاف الآخرين ، أخطاؤنا في التاريخ الحديث كثيرة وتجاربنا ومحاولاتنا كثيرة ، لماذا لا يتم دراستها بعمق وحيادية بدل أن نستمر في اتهام الاستعمار وأعوان الاستعمار ، أم نكتفي بقصيدة رثاء ونبكي على ما ضيعنا من فرص متاحة كما فعل الشاعر بعد كارثة الأندلس : لكل شيء إذا ماتم نقصان   فلا يغر بطيب العيش إنسان .

إن امتلاك الشجاعة الكافية للاعتراف بالأخطاء ، وتجنب ايجاد الأعذار الواهية حول الأشخاص أو الجماعات أو الدول سيؤدي بنا إلى سلوك الطريق الصحيح للإصلاح بإذن الله .

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s