د.محمد العبدة
ليس جديداً الحديث عن الغرب ، فهو حاضر منذ ثلاثة قرون وفي لعالم كله ، ولكن بعد أن ظنّت أمريكا أنها استفردت بالعالم ، وبعد العولمة ومآلاتها ، وبعد 11/9 واحتلال العراق كثر الحديث عن طبيعة الخطاب مع الغرب ، وبعض الناس ( هرول ) حتى يحسن صورته مع هذا الغرب ، وبعضهم أراد أن يحسن صورة الإسلام ، وكأن الإسلام بحاجة إلى تحسين صورته .
وقبل الحديث عن الخطاب وما يدور حول الخطاب ، ألا يجب علينا أن نتعرف على المكونات الثقافية للغرب ، هناك حقائق لا بد ن تذكر ، ولا بد أن تعرفها الأجيال لتتعرف على المأساة دون زيادة أو نقصان ، وهذا التعرف لا يعني بحال القطيعة مع حضارة قوية عاتية قدمت للعلم الشيء الكثير ، ولكنها في الوقت هي حضارة متكبرة نفعية يغلب عليها الطابع المادي الذي يريد زعزعة اليقينيات الدينية .
وهذا التعرف لا يعني أيضاً الجمود على مقولات معينة ، بل يجب أن نتابع ونلاحظ التطورات الحاصلة على الساحة الغربية مثل المظاهرات المليونية التي خرجت من عواصم أوروبا معارضة للحرب ، ومعارضة لغرور
أمريكا . يقول مالك بن نبي الذي عاش مدة طويلة في الغرب وتعمق في الاطلاع على ثقافة الغرب يقول : « الفرد الأوروبي يحمل جراثيم الكبرياء ، لأنه يتلقاها منذ الطفولة ، ويتكون فيه تصوره للعالم ، فهو يعتقد أن التاريخ والحضارة يبتدئان من أثينا ويمران على روما ثم يختفيان فجأة لمدة ألف سنة ، ثم يظهران من جديد في باريس[1] » . فهذا الغرب لا يتصور تجربة في الحياة خارج إطار حضارته وغيرهم ” متخلف “ فهو يكفرنا حضارياً[2].
وفي عام 1962م قال رئيس وزراء الصين ” شؤان لاي “ : ” رغم كل عصور الحضارة التي يحملها تاريخنا ، ورغم كل ما أسديناه للجنس البشري لم ينلنا من الغرب سوى الإذلال .”
ويقول المسلم النمساوي محمد أسد :
” عندما يبحث أحد الغربيين في الهندوسية مثلاً أو في البوذية فإنه يعي دائماً الفروق الأساسية بين هذين المعتقدين وبين معتقده ، إنه يتبصر في مثل هذه الثقافات برصانة واتزان ، وأحياناً بتقدير وإكبار ، بيد أنه عندما يصل الأمر إلى الإسلام – وهو دين سماوي – ليس غريباً عنه ، فإن المحاباة العاطفية تضطرب وتختل ، فهل السبب في ذلك يعود إلى أن قيم الإسلام تشكل خطراً ممكناً على المفاهيم الغربية ؟ ولكن يجب أن نعود إلى التاريخ لنفهم الأساس النفسي .إن ما يشعر به الغربيون نحو الإسلام متأصل من انفعالات ولدت في إبان الحروب الصليبية” .
إذا أردنا أن نفهم الغرب يجب علينا ألاّ نفسره أجزاء ، بل ننفذ إلى أعماق الضمير الغربي وما يحمل من فلسفة ذرائعية تقوم على أن الحق هو ما يحقق النفع للرجل الأبيض ، هذه الذرائعية هي التي تجعله يستخدم الدين “كرافعة ” لمصالحه الخاصة ، فيدعم التبشير خارج مجتمعاته ، بينما يعلن في داخله أنه علماني لا يتدخل في
الأديان .
فهل ينفع مع هذا الغرب الحكومي أو الرسمي إظهار المسكنة والضعف وأننا أناس لا نخيف أحداً ، إن هذا سيجعله أكثر شراسة وأكثر تكالباً وطمعاً ، والغربي بطبعه يعتبر نفسه في صراع مع الآخر ، وفي صراع
مع الطبيعة كما يعبّر دائماً ، فعندما يرى من إنسان أو من أمة الضعف والهوان فهو يحتقر هذا الإنسان .
وهذا لا يعني أن الحالة يجب أن تكون حالة عداء ، ولكنها الحقيقة : إما أن نخضع له كما يريد بعض الناس – وهم قلة والحمد لله – أو نتعلم كيف نخاطبه خطاباً قوياً نشعره بذاتيتنا وكرامتنا.
والمسلمون يملكون وسائل كثيرة للضغط على الغرب وتوسيع دائرة الصراع ، وإن كان صراعاً سلمياً وليس عسكرياً ، وذلك لتغيير ميزان القوى .
وأما الحوار معه فإن أحد مثقفي الغرب الذين أسلموا ” مراد هوفمان “ ينصحنا ويقول : « إن الحوار بين الإسلام والغرب هو حوار مستحيل ، وإنما الحوار الأكثر فائدة وفاعلية فهو الحوار بين الإسلام والنصارى في الغرب [3]» . أي : (( حوار مع العقلاء منهم والأحرار[4])) .