الفكر والسياسة

د.محمد العبدة

هل تكون سياسة أو فعل فعل سياسي دون فكر أو مبدأ يوصل لها ويحيطها ويصحح مسارها ؟

الفكر هو الذي يراجع وينقد , والعمل إذا لم يكن وراءه عقيدة واضحة توجهه , فسوف يطرأ عليه الانقطاع والانحراف عن الطريق السوي , والسياسة التي تجهل قواعد العمران وأسسه لا تستطيع أن تقوم على العاطفة التي لا تدبر أمراً ذا بال , المبدأ والفكر هما اللذان يحركان الحضارة , ودور رجال السياسة حمايتها والدفاع عنها.

إن الغرب رغم ما يحمله من فكر ذرائعي يبرر الوسائل في سبيل الغايات ,ولكنه لا يتصرف سياسياً دون نظريات فكرية توجه العمل , وخزانات التفكير (Think Tank) , ومراكز الدراسات هي التي يعتمد عليها في توجيه السياسة.

السياسي في الغرب يدعمه (مكتب دائم) يمده بالمعلومات وكل ما يحتاج إليه , وهو يتمم عملاً مسبوقاً ويمشي في سبيل مطروق.

الناس عندنا يظنون أن السياسة هي الانتهازية والقفز على الحبال , والتحالف مع هذا أو ذاك , ثم يتركون هذا التحالف عندما يجدون من هو أسمن وأغنى.

والنتائج الضعيفة لهذه السياسة التي يسميها مالك بن نبي : (البولتيكا) هي وزارة خدمية , أو عضوية برلمان , أو جاه فارغ , وربما يبرر أحدهم هذه الأفعال بـ (المصلحة) , وهو لا يعني مصلحته الخاصة (وإن كانت داخلة في الهوى الخفي) , بل المصلحة العامة , ولكن ما المصلحة العامة ؟ إنها فتات الموائد ( وزارة صناعة أو وزارة الثروة السمكية) !!.

إن المشكلة التي هي أكبر من هذه النفعية المتطرفة هي أن هذه الاسطوانة المشروخة تعود بنغماتها الشاذة , ولا أحد يستفيد من الماضي , أو يراجع نفسه , وهكذا تتوالى الأخطاء والأخطار , يتحالفون مع أمريكا في أفغانستان وتكون النتيجة أن يظهروا في الاحتفالات الرسمية مع الرئيس الذي نصبته أمريكا , ويتحالفون مع أمريكا في مناطق أخرى , ولا يحصدون إلا التلاوم ونقد الأخرين لهم.

ولماذا لا نستفيد من تجارب الذين سبقونا من رجالات العلم الذين لهم تجربة وخبرة في العمل السياسي ؟!

عندما رأى الشيخ عبد الحميد بن باديس كذب فرنسا , واخلافها لوعودها كتب معلقاً : (إن فرنسا تعد وتخلف والجزائر تُخدع وتَطمع , وأما نحن فلا تسلمنا المماطلة إلى الضجر , وإنما يدفعنا اليأس إلى المغامرة والتضحية , وكذب رأي السياسة وساء فألها…)[1].

المبدأ هو الأساس عندما نحيا مع المبدأ يمكننا الاجتهاد ضمن الظروف المحيطة بنا , عندما نحيا مع المبدأ يمكننا مواجهة آلاف التحديات والمتغيرات , مع المبادئ تكون السياسة , والبحث عن المصلحة الحقيقة , ومعرفة الواقع , والظروف الداخلية الدولية.

وقد مدح الإسلام العلم كي يبتعد الناس عن الأوهام والأساطير ولا يتعلقوا بالسراب كما يتعلق المسلمون اليوم بأسطورة الأمم المتحدة ( التي سميت بغير اسمها , وحليت بغير صفاتها , وما هي إلا مجمع يقود أقوياؤه ضعفاءه , ويسوق أغنياؤه فقراءه ……)[2] , أو بأسطورة النظام العالمي أو الضمير العالمي.

العلم هو الذي يجب أن يجر السياسة من أنفها ، حتى يتمكن صاحب الفكر والمبادئ من التغير المطلوب.


[1] محمد الميلي : ابن باديس وعروبة الجزائر ص 180

[2] البشير الإبراهيمي : (الآثار الكاملة) 2/644

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s