الحديث هو عن أصناف من الناس يشككون في نجاح الثورات العربية التي قامت لمواجهة الإستبداد والفساد ، بعض هؤلاء يذكرون دليلا على مايرونه الأخطاء التي تقع هنا وهناك ، ويشعرون الآخرين أن الأمور لاتسير على مايجب أن تسير عليه ، وكأن هذا الصنف من الناس لايتوقع النجاح لأي عمل في البلاد العربية ، وكأن أحدهم يخاف من النجاح حتى لايفكر بما سيتحقق بعد النجاح .
وصنف آخر هو مسكون بنظرية المؤامرة فهو لايتخيل أن يكون هناك تحرك ليس وراءه الغرب ولسان حاله يقول : هل من المعقول أن تقوم ثورات وتغيير في الأوضاع الراهنة دون تدخل من الغرب . هؤلاء وإن كانوا لايملكون دليلا على أقوالهم ولكنهم يرتابون في أي تحرك سياسي كبير ، ونقول لهؤلاء : إذا كان الغرب هو الذي رعى وأيد الديكتاتوريات في العالم العربي ، وإذا كانت الحرية هي في النهاية لصالح الناس وصالح المسلمين ، فهل يكون الغرب وراء إعطاء الحرية للشعوب العربية ، إن هذا تناقض ووساوس . نعم الغرب أيد وساعد في إبعاد طغاة مصر وليبيا وذلك لأنه يعلم أن هؤلاء الطغاة سيذهبون فلماذا يكونون مع الرهان الخاسر ، ولايكونون مع المنتصر ، وهذا لايعني أن عملهم هذا في سبيل المبدأ ، ولكن لمصالح اقتصادية مستقبلية ، وهذا أقل شرا من بقاء هؤلاء الطغاة .
وهناك صنف هم بسطاء يخدعهم الكلام عن ( الإمبريالية ) وأن أمريكا تحاصر الدول التي تتصدى لها ويظنون أن النظام السوري يتعرض لمؤامرة عالمية بسبب وقوفه في وجه أمريكا . ولايعلم هؤلاء أن هذا النظام لم يقاتل يوما العدو الصهيوني وهذا يرضي أمريكا ، ولو أرادت أمريكا إزاحة هذا النظام عن كاهل الشعب السوري لأزاحته بشتى الطرق والوسائل ، وهؤلاء البسطاء تؤزهم الدعاية الإيرانية وحديثها الكاذب عن مجابهتها لأمريكا، ونحن نعلم أن أمريكا تركت العراق تحت سيطرة ايران ، والخلاف هو حول النووي فقط .
هذا الصنف الذي تحدثنا عنه هم فئة قليلة لأن كثيرا ممن خدعوا في السابق بشعارات الممانعة والمقاومة قد عرفوا الحق ورجعوا إليه. ثم لنقل لهؤلاء جميعا : كيف كان المشهد العربي في الدول التي قامت فيها هذه الثورات ونجحت في العض ونأمل أن تنجح في الباقي ؟ ألم تكن هذه الأنظمة التي غادرت غارقة في الطغيان وإفساد البلاد سياسيا واقتصاديا وثقافيا ، والآن عادت الحرية والكرامة للإنسان وهذا هو طريق الإصلاح والنهوض . ومن الطبيعي أن تقع أخطاء وعوائق ، فالعيش تحت الإستبداد عشرات السنين يفسد الحياة الإجتماعية ، والحرية هي التي تسمح بتصحيح الأخطاء مادام هناك صحافة حرة تنتقد وهناك أحزاب تتنافس للحصول على صوت الناخبين ،
كيف يقدر الغرب أهمية هذه الثورات ولو كان من وجهة نظر خاصة وبعضنا لايقدر أهميتها مع أنها تعتبر مرحلة تشكل تاريخي في غاية الأهمية للقابل من الأيام ، ذلك لأنها تعني الإستمرار في الإصلاح وليست انتفاضة مؤقتة ، وهي ثورات تريد التغيير الى الأفضل وهذا مانتوقعه ، وهي ثورات شعبية وليست تابعة لفئة معينة أو لحزب معين .
إن الديكتاتورية لاتأتي بخير ، فقد يكون ( هتلر ) بطلا قوميا بنظر الشعب في عهده ، وأقام صناعات وهزم دولا ، ولكنه فشل في نهاية الأمر أمام ديمقراطية بريطانيا وأمريكا . وفي القرآن الكريم قال تعالى لموسى عليه السلام ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) فجعل سبب إرسال موسى هو طغيان فرعون ، وكذلك من الأسباب حاجة الناس إلى رسول يخلصهم من الظلم والضلال .
يعتقد الناس في بريطانيا أنه من الضروري من وقت لآخر تغيير الحكومة ، ليس الفاشلة فقط وإنما الناجحة أيضا ، لأنها ( مع الزمن ) إما أن تصبح غير فعالة أوأنها تصبح مغرورة .