تميزت العلاقات التاريخية بين المسلمين والصين بالهدوء والتبادل الثقافي والتجاري. بدأت هذه العلاقات مبكرا في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفي عهد الوليد بن عبد الملك وصل قائد جيوش المسلمين في المشرق قتيبة بن مسلم الباهلي إلى حدود الصين، وأرسل وفدا إلى ملكها وكان حوارا إيجابيا وقبل الملك بشروط قتيبة ولم يقع قتال. وقد وصل إلى الصين رحالة عرب كثيرون ووصفوا أرضها وطبيعة سكانها.وبسبب هذه العلاقات الجيدة انتقلت صناعة الورق من الصين إلى العالم الإسلامي، فأحدث ذلك ثورة في عالم نسخ الكتاب ونشرة، ومن العالم الإسلامي انتقلت هذه الصناعة إلى أوروبا. كما اهتم الصينيون بنقل معارف المسلمين في الطب وعلم الفلك.
فإذا انتقلنا إلى عالم اليوم لنبحث عن طبيعة العلاقات بين المسلمين وهذه الدولة التي يزيد عدد سكانها عن مليار نسمة، والتي تسارع الخطى نحو القوة والتقدم الصناعي، وأصبحت دولة كبرى في الميزان السياسي والاقتصادي، وهذا البحث ضروري لأن الاستقطاب السياسي الذي أحدثه الغرب أخيرا ، والاتجاه المتسارع نحو عولمة الاقتصاد والثقافة، ونحو هيمنة غربية تملي المواقف وتصدر السلعة الإعلامية مبطنة بما شاءت من قيم وسلوك ، هذا الاستقطاب أحدث خللا في العلاقات الدولية واضطرابا.
ألا يدعونا هذا إلى بناء علاقات متينة مع هذه القوة التي يتعاظم دورها وحضورها السياسي؟ والأمة الإسلامية بما تملك من طاقات وحضارة عريقة يمكنها أن تكون شريكا إيجابيا لهذه القوة الصاعدة، وليتمكن الجميع للوقوف في وجه الحضارة الغربية العاتية التي يرى مثقفوها أن التاريخ انتهى عنده، وما على الآخرين إلا أن يستسلموا ويسلموا مفاتيح القلعة. وإذا كان الاتحاد السوفييتي _ غير مأسوف عليه_ كان عامل توازن سياسي ، فلماذا لا يكون الشرق الآن هو عامل التوازن ، وإذا كنا نتحدث عن الصين فالمقصود أيضا دول المشرق الإسلامية كماليزيا وأندونيسيا ، بعض الناس ما يزال يحمل عقدة ( لندن، باريس، واشنطن) . وأذكر أنني سألت أحدأصحاب المواقع الإسلامية على (الانترنت ) ما هي مشاريعكم المستقبلية؟ قال: ” نخطط لترجمة إنتاجنا الثقافي إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ونفكر في الأسبانية أيضا” قلت له: ” لماذا لا تفكرون بالأوردية والتركيةوالماليزية ...، هنا يوجد مئات الملايين من المسلمين، فهل يهمل هؤلاء لمصلحة اللغة الاسبانية؟! “
إن دورنا في الشرق والشرق الإسلامي سيكون له نتائج كبيرة بإذن الله ، خاصة إن نحن نشرنا اللغة العربية وحشدنا هذه الدول لنكرس التوازن في العلاقات الدولية، وحتى لا يبقى القطب الواحد يظن أنه يتحكم في سياسة العالم .